كيف أدانت باريس في “مؤتمر السودان” سياسيي لبنان؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
لم يكن المؤتمر الدولي لدعم السودان، الذي انعقد في باريس أمس انتصاراً كبيراً للخرطوم فحسب، بل إدانة عظيمة لبيروت، أيضاً.
لم تكن ثمّة حاجة الى ذكر لبنان، في أروقة “القصر الكبير الموقت” حيث انعقدت فاعليات المؤتمر الذي وضع السودان على سكة الإنقاذ المالي والاقتصادي، لتلمّس هذه الإدانة، بل كان يكفي الإنصات بإمعان الى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو يهنئ رئيس “مجلس السيادة” عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك وحكومته، على الالتزام بتعهداتهم الإصلاحية، حتى تتسارع إلى الذاكرة أدبيات الإدانة التي راكمتها باريس، منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، ضد الطبقة السياسية اللبنانية التي خانت كل عهودها ووعودها، في مؤتمر “سيدر”، بداية وفي إطار “المبادرة الفرنسية، لاحقاً.
وخلافاً لكل ما حملته التهجّمات اللبنانية التي تولّتها الطبقة السياسية اللبنانية ضد ماكرون، فإنّ الرئيس الفرنسي، في الملف السوداني، حاز “صدقه” و”تشريفه لتعهداته” ليس على “التشكّرات” السودانية فحسب بل على إشادات مماثلة من الدول المهمة والمؤسسات الدولية التي شاركت في المؤتمر، أيضاً.
ولكنّ ماكرون، وربّما من دون أيّ تعمّد، عدّد الأسباب التي جعلته يحصد نجاحاً في السودان فيما مُني بفشل ذريع في لبنان، ذلك أنّ كلمته التي استهلّ بها مؤتمره الصحافي بعد اختتام فاعليات المؤتمر الدولي، تحدّثت عن ثورة السودانيين ومجتمعهم المدني التي مهّدت للإطاحة بحكّام فاسدين ومجرمين ومستغلّين للدين.
ونجاح الشعب السوداني في ثورته التي أجرى ماكرون مقاربة “عاطفية” بينها وبين الثورة الفرنسية، لا يمكن أن تنعكس سلباً على سمعة ثورة اللبنانيين في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، لأنّ الزخم الشعبي في السودان تلقّفه الجيش، بينما الزخم الشعبي اللبناني واجهه “حزب الله” المسلّح وأجبر الجيش على أن يكون في صفّه، لمواجهة الشعب الثائر.
إنّ المقارنة بين نجاح السودان في وضع ماليته واقتصاده على سكة الإنقاذ، وفق ما أظهره مؤتمر باريس، من جهة أولى وفشل لبنان في إخراج نفسه من الهوّة الجحيمية التي سقط فيها، من جهة ثانية، مسألة واجبة.
إنّ السودان “القديم” كان محكوماً بالمعادلات نفسها التي تتحكّم بلبنان راهناً: فساد، إجرام، استغلال ديني (يرتدي، في لبنان، عباءات طائفية متعددة)، لوائح عقوبات وقوائم إرهاب.
والسودان الجديد الذي خفّف المجتمع الدولي عنه أعباء الديون الخارجية الثقيلة، بعدما التزم بتعهدات إصلاحية ضرورية، هو نتاج “تحالف” عسكري – مدني، حيث أمسك العسكر بالنظام “الوليد” وترك للكفاءات السودانية بقيادة رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، الآتي من تجربة اقتصادية دولية ثرية جداً، قيادة مسيرة الإنقاذ التي نالت إعجاب المجتمع الدولي.
قد لا يحتاج لبنان الى هذه “الخلطة” لإنقاذ نفسه ممّن رموه في الجحيم ويحولون دون إخراجه منه، ولكن، في ضوء التجربة، ثمّة وظيفة لا بد من أن يلعبها الجيش اللبناني لمصلحة جميع اللبنانيين ومن ضمنها مصلحته هو، فالمساعدات العينية التي ترده من الدول الصديقة، وإن كانت تمنع، موقتاً، جوع ضباطه وجنوده، إلّا أنّها تمنعه، بالنتيجة، من أن يكون في مصاف الجيوش التي تتحصّن بالمعنويات، في دفاعها عمّن يصون المؤسسات لا عمّن يدمّرها.
وليس بعيداً من “حقل مارس”، حيث انتهت، منذ أيّام أعمال بناء “القصر الكبير الموقت” بين “المدرسة الحربية” من طرف وبرج إيفيل، من طرف آخر، حضر لبنان، أيضاً، في تغييبه عن البيان الخاص بالاجتماع الذي انعقد، ظهر أمس في قصر الإليزيه، بين الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
في البيان الختامي، حضرت فلسطين وسد النهضة وسوريا وليبيا وغيرها، ولكن غاب لبنان، على الرغم من أنّه، تحضيراً لهذا الاجتماع، أرسل رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة الى ماكرون وأجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالاً مطوّلاً بالرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
إنّ تغييب لبنان عن البيان الخاص باجتماع ماكرون – السيسي يعكس رغبة الرئاسة الفرنسية، في عدم إعطاء أهمية تُذكر، بعد الرسالة القاسية التي حملتها زيارة وزير الخارجية جان ايف لودريان لبيروت، إلى الطبقة السياسية التي تتصارع على تحقيق مكاسب “أنانية” فيما اللبنانيون يغرقون في مأساة غير مسبوقة.
وهذا التغييب يعطي دفعاً كبيراً لتعهّد فرنسا برفع ملف المسؤولين اللبنانيين الى جدول أعمال العقوبات الأوروبية، بعدما استهلك هؤلاء كل الوقت الممكن هدره في “المناشدات” و”الوساطات” و”التمنيات”.
وبالنسبة لماكرون، هل يعقل أن يقبل بذكر لبنان وما ألحقه به وببلاده من أضرار معنوية، في وقت كان يستعد فيه، لإظهار النجاح الكبير الذي حقّقه في السودان؟
أمام هذا المشهد السوداني الذي زيّن خلفيته برج أيفيل، وفي حضور مشاهد الذل المعيشية اليومية التي يتكبّدها اللبنانيون، يبدو جلياً كذب كل طرف سياسي فاعل في لبنان، يزعم أنّ تدمير قطاع غزّة يُدمي قلبه. هو كاذب لأنّه، في البلاد التي هو فاعل فيها، يقود عملية تدمير غير مسبوقة، من دون أن يرفّ له جفن.
وهو أكثر إجراماً من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لأنّ نتنياهو يرتكب جرائم حرب ضد عدو وجودي، فيما يرتكب كل طرف سياسي فاعل في لبنان، جرائم جماعية ضد شعب يتولّى المسؤولية باسمه.
بفضل هؤلاء السياسيين، بات حلم اللبنانيين أن يصبحوا في مصاف السودانيين.