لماذا كشفت واشنطن أسرارها للأردن؟
بقلم: ماهر أبو طير
النشرة الدولية –
في تقرير صحيفة الغارديان البريطانية معلومة حول تمرير واشنطن لمعلومات أمنية إلى الأردن حول مخطط للفوضى في الأردن، وهذا التمرير تم في عهد الإدارة الأميركية الجديدة.
لم تكن واشنطن هنا، مجرد طرف يحمي حليفاً، وحسب، بل إن الرئيس الأميركي الجديد حين تم سؤاله عما يجري في الأردن، في بدايات الإعلان عن كل الملف الحساس الأخير، قال موجها الكلام للملك وبشكل علني وصريح امام الصحفيين ” كن قويا، لديك صديق هنا”.
الواضح من التصريح أن الإدارة لم تفاجأ بكل الملف الذي تمت إثارته حول ترتيبات لإثارة الفوضى في الأردن، بما يثبت معرفة الأميركيين مسبقا بكل القصة الحساسة وأسرارها.
من زاوية أميركية مجردة، فإن تورط الإدارة الأميركية السابقة، وتحديدا صهر الرئيس الأميركي السابق كوشنير، في كل الملف، في سياقات إعادة رسم خرائط المنطقة، لتمرير حلول على حساب الأردن، والقضية الفلسطينية، له بعد أميركي، يرتبط برغبة الإدارة الجديدة، بحرق سمعة الإدارة السابقة، وتعزيز صورتها باعتبارها متهورة تعبث بأمن الحلفاء في المنطقة، مما يؤدي إلى تداعيات عدة على الرئيس الأميركي السابق، وصهره الذي كان يعتقد أن لديه القدرة على حكم العالم، من خلال الرئيس.
تمرير المعلومات من الأميركيين إلى الأردن، والمتابعة الأردنية المسبقة، واللاحقة، حقق هدفين لواشنطن، الأول حماية الأردن، وتأكيد علاقة الشراكة بين البلدين، والثاني حسابات أميركية داخلية، بحق الرئيس السابق، وصهره المقامر، الذي كان يخطط لإتمام الخرائط التي يتصورها، إذا عاد الرئيس لموقعه في الولايات المتحدة الأميركية، وهي خرائط كانت تستلزم تغييرات على مستويات كثيرة، في الأردن، وربما دول عربية ثانية، من أجل حماية إسرائيل.
الإدارة الأميركية الحالية، متحالفة أيضا مع إسرائيل، لكنها غير مقامرة، وتحالفها مع تل ابيب لا يعني بالضرورة، السماح بمخططات انقلابية ناعمة تؤدي إلى فوضى دون سقوف.
علاقة الرئيس الأميركي الجديد بالأردن، علاقة جيدة، وعلى ما هو مفترض أن يقوم الملك بزيارة إلى واشنطن منتصف الصيف، ووزير الخارجية الأميركي كان هنا في عمان، على خلفية ما تعرض له الفلسطينيون، والعلاقة مع واشنطن أساسية في الدبلوماسية الأردنية، حتى وإن كنا ننتظر أن يكون هناك انحياز أكبر للأردن، من جهة، ولقضايا المنطقة.
الموقف الأميركي من الأردن جيد، لكنه قد لا يبدو كافيا، إذ هناك أزمة اقتصادية في الأردن، تتطلب من الاميركيين إعادة النظر بكل أشكال الدعم إلى الأردن، مباشرة من الاميركيين او عبر الحلفاء الأوروبيين وغيرهم في العالم، خصوصا، أن إبقاء الأردن ضعيفا، في منطقة ملتهبة له كلفة عالية على أمن الإقليم، والمنطقة، والذي يحلل تفاصيل الوضع الاقتصادي يدرك أن الأزمة تكبر يوما بعد يوم، ولا بد من معالجة مختلفة.
إذا كانت واشنطن لديها معايير محددة في دعم الحلفاء، فإن القراءة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لواقع الأردن، تأخذنا إلى ضرورة إعادة النظر بكل ملف دعم الأردن، ليصبح بطريقة أفضل، وأكثر تأثيرا، على مستويات الحياة في الأردن، لإلغاء أسباب الاحتقان والتوتر، والقابلية للاشتعال، تحت عناوين مختلفة، نراها كل يوم، في قصة جديدة.
الذي لا يعرفه كثيرون أن آخر عامين من عهد الرئيس الأميركي السابق، كانا عامين صعبين جدا على الأردن، إذ إن الإدارة السابقة أغلقت الأبواب في وجه الأردن، وجففت الاتصالات السياسية واضعفت الاتصالات اللوجستية، عدا بعض القضايا، ولم تتم الزيارة السنوية للملك التي كان يلتقي فيها عادة الرئيس الأميركي، وانقطعت الاتصالات الهاتفية على مستوى عال، كون الرئيس وصهره العزيز، لا يفقهان في التوازنات، ويعرفان أمرا واحدا، إما أن تتبعني في كل شيء، وإما أن أحاصرك، واخنقك، وأخطط للنيل منك ومن استقرارك بكل الوسائل.
تنفس الأردن الصعداء برحيل الإدارة الأميركية السابقة، والمؤسف هنا أن الجمهور أحيانا لا يصدق أن هناك مؤامرات، على أساس أن الأردن حليف إستراتيجي للأميركيين، لكن المؤكد هناك أن ثنائية ترامب-نتنياهو كانت خانقة، وضاغطة، وتهدد الأردن بنعومة ودون ضجيج.
ترتيب أوراق الداخل الأردني، هو طوق النجاة أمام الأخطار والمؤامرات، لأن الداخل المتماسك، والموحد، هو مفتاح البقاء والقوة والاستقرار، قبل دعم هذا الحليف أو ذاك.
نعم، الحليف الأساس والأكثر مأمونية لنا، هو نحن أولا وأخيرا.