بريطانيات يشاركن القصص على الانترنت… يخضن معركة تغيير ثقافة العنف الجنسي في الجامعات

النشرة الدولية –

يبدو الأمر غريبا ومستهجنا؛ ففي محراب العلم يوجد زملاء في الدراسة يلمسون بشكل غير لائق زميلاتهم من تحت الطاولة، ومدرسون يحدقون في صدور تلميذاتهم، وهناك أيضا أشخاص من المفترض أنهم زملاء دراسة ثم يتضح أنهم مغتصبون.

هذه فقط بعض الوقائع التي تحدث من بين أكثر من 16300 شكوى يتم تشاركها من جانب طالبات في مختلف أنحاء بريطانيا، وتتعلق هذه الشكاوى بالاعتداء والتحرش الجنسي اللذين تعرضن له. وتأتي المشاركة على موقع “إيفري وان إنفايتد” الإليكتروني (وتعني ترجمته “الكل مدعو إلى المشاركة”) من مختلف شرائح الطالبات سواء كن يزاولن الدراسة في كليات أقل شهرة أو في جامعات نخبوية.

وتقف وراء المبادرة سوما ساره التي بدأت تنشر قصصا عن التحرش والعنف الجنسي على منصة إنستغرام العام الماضي.

وقالت ساره، الطالبة التي تدرس في لندن وتبلغ من العمر 22 عاما، لوكالة الأنباء الألمانية “شعرت بالاضطراب في الحال”، وبعد تبادل التجارب بينها وبين 300 فتاة تعرفهن أصبح من الواضح لها أن هذه الحكايات ما هي إلا قمة جبل الجليد.

ودشنت ساره بالاشتراك مع عدد قليل من زميلاتها منصة “إيفري وان إنفايتد”، حيث يمكن للفتيات اللاتي تعرضن لمثل هذه التجارب أن يسجلنها ويعرضْنها على الإنترنت، وغالبا ما يتم ذلك مع ذكر اسم الجامعة التي حدثت فيها الوقائع.

وأضافت ساره “إن ذلك يعطي أناسا كثيرين إحساسا بالتمكين والتضامن والتلاحم كأسرة واحدة”.

بعض الضحايا أقمن دعاوى قانونية ضد جامعاتهن، لأنها لم تقم بواجب رعاية الطلاب، ومع ذلك لم تجر محاكمة أيّ جامعة

وتابعت “حتى لو كنت مستعدة للمشاركة بحكايتك، فيمكنك التوجه إلى الموقع الإلكتروني وقراءة القصص المنشورة، ويكفي أن تعرفي أنك لست وحدك، وأن ما مررت به لا يجب على الإطلاق أن يجعلك تشعرين بالخجل”.

وكان مقتل ساره إفيرارد، المقيمة في لندن والتي تبلغ من العمر 33 عاما، في مارس 2021 قد جعل آلاف الأشخاص ينزلون إلى الشوارع لبث الوعي بقضية العنف ضد النساء، وشهد الموقع الإلكتروني إقبالا مكثفا خلال الأسابيع التي تلت وقوع الحادث.

وتقول المحامية جورجينا كالفرت – لي، الممثلة القانونية لضحايا جرائم جنسية على مدى عدة سنوات، “إنها لحظة تاريخية مهمة، يمكننا أن نقول فيها هذا يكفي فقد طفح الكيل”.

وإلى جانب وفاة إفيرارد أسهمت أيضا احتجاجات “حياة السود مهمة” وجائحة كورونا -التي أدت جراء فرض الحجر الصحي إلى ارتفاع حوادث العنف، خاصة العنف المنزلي- في خروج الكثير من النساء إلى العلن للتعبير عن رفضهن لما يحدث.

وهي لم تندهش من أن التحرش يبدو شائعا في المدارس والجامعات. وتضيف كالفرت – لي “أعتقد أنها مشكلة مجتمعية تتعلق بالاستهانة بالنساء، وتعتبر المؤسسات التعليمية أماكن يتضامن فيها الناس عندما تنكشف هذه الوقائع”.

ويصف الموقع الإلكتروني نفسه بأنه حركة تعمل من أجل “القضاء على ثقافة الاغتصاب”.

وتقول كالفرت – لي “تبدو كلمة الاغتصاب حادة ومبالغا فيها بالنسبة إلى بعض الأشخاص، غير أن الموقع يتحدث في الواقع عن معالجة ثقافة أوسع نطاقا، ثقافة أوسع وأكثر تعقيدا من الاعتداء الجنسي”.

وترى ساره أن الكثير من المغتصبين لا يواجهون عقابا قويا نتيجة جرائمهم، لأنه يتم اعتبار أن الأشكال الأقل قوة من التحرش طبيعية ولا تتم مناقشتها، وهذا يجعل من الصعب على النساء الرد بالدفاع عن أنفسهن.

أما بالنسبة إلى المدارس والجامعات التي حدثت فيها تلك الأمور فإن الكشف عن هذه الجرائم ليس مجرد مشكلة تتعلق بصورتها المجتمعية؛

فقد رفعت بعض الضحايا دعاوى قانونية ضد جامعاتهن، قائلات إن هذه المؤسسات لم تقم بواجب رعاية الطلاب، ومع ذلك لم تجر محاكمة أي جامعة حتى الآن، وبالتالي تمت تسوية الكثير من القضايا خارج نطاق القضاء.

وترى كالفرت – لي أن هذه التطورات تعد علامة على أن الجامعات تعتبر أن الشكاوى قائمة على أسس صحيحة، وتقول “كلما كانت الشكاوى أكثر إقناعا كان من المرجح بدرجة أكبر أن تتم تسويتها”.

وتعرب عن أملها في أن يأتي اليوم الذي تبتّ فيه المحكمة في إحدى هذه القضايا. وتقول كالفرت – لي التي ترأس شركة “ماك أليستر أوليفاريوس” للاستشارات القانونية “إنه لأمر جيد أن تحظى هذه الشكاوى بالمزيد من الانتباه، وهذا يجعل القانون أكثر وضوحا بالنسبة إلى هذه الحالات”.

أما الجامعات نفسها فقط ظلت صامتة، ومن بين ست جامعات مسجلة في موقع “إيفري وان إنفايتد” لم ترد أي منها على سؤال يتعلق بنتيجة الشكاوى. وحتى مكتب “أوستد” -وهو الجهة الحكومية المنظمة والمراقبة لجودة معايير الخدمات التعليمية، ومن بين مهامها التحقيق في المشكلة- أشار إلى تقرير شامل نشر مؤخرا.

وتعرب ساره عن رغبتها الشديدة في أن يستمر النقاش وألا يتلاشى، وتقول “لأن هذه التصرفات متوطنة مثل الوباء ومنتشرة على نطاق واسع فإنها تعد نوعا من الثقافة العامة، ويحتاج الجميع إلى الانضمام إلى المبادرة حتى يمكننا تغيير هذه الثقافة”.

شدد نواب في البرلمان البريطاني على أن النساء والفتيات في جميع أنحاء المملكة المتحدة يواجهن حالات تحرش “مستمرة” في الشارع، ولا تُتخذ الإجراءات الكافية لوقفها

وتواجة نساء بريطانيا تحرشا مستمرا في الشوارع. وفي عام 2018 شدد نواب في البرلمان البريطاني على أن النساء والفتيات في جميع أنحاء المملكة المتحدة يواجهن حالات تحرش “مستمرة” في الشارع، ولا تُتخذ الإجراءات الكافية لوقفها.

ودرس السياسيون الذين يشكلون لجنة النساء والمساواة في البرلمان هذا الأمر لمدة تسعة أشهر، ووجدوا أن مقدار المضايقات يعني أن الأمر أصبح “معتادا” للفتيات.

ودعا النواب الحكومة إلى اتخاذ إجراءات للحد من تفاقم هذه المشكلة.

وبينما تعهدت الحكومة بالقضاء على التحرش الجنسي بالنساء والفتيات بحلول عام 2030 قالت اللجنة إنه “ليس هناك دليل على وجود أي برنامج لتحقيق ذلك”.

كما أفاد تقرير نشر في العام نفسه بأن أكثر من ثلث التلميذات في بريطانيا يتعرضن للتحرش الجنسي وهن يرتدين الزي المدرسي.

وبحسب التقرير فإن ثلثي التلميذات اشتكين من اهتمام جنسي غير مرغوب فيه من جانب آخرين في الأماكن العامة.

وتشير الأرقام الواردة في التقرير، الذي أعدته مؤسسة “بلان انترناشيونال” الخيرية المعنية بالأطفال في بريطانيا، إلى أن الكثير من الفتيات يعتقدن أن التحرش في الشوارع “شيء لا مفر منه”.

وحث التقرير المارة في الشوارع على التصدي للتحرش حال رؤيتهم وقائعَه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى