“مبادرة” نصرالله الاقتصادية مجرّد “نهفة في مأتم”
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

النهار العربي –

مستلهماً الوعكة الصحية التي ألمّت به، اقترح الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله، في إطلالة “المعافاة”، أوّل من أمس، على المسؤولين اللبنانيين، في ظل عدم القدرة على علاج “المرض الأصلي”، أن يصبّوا جهودهم “على العوارض لنبقى على قيد الحياة مدة أطول، ونقلّل الألم ونخفّف المعاناة”.

مع هذا الكلام، تكون ساعة الحقيقة اللبنانية قد دقّت، فاللبنانيون، بحسب أقوى طرف فيه، تورّطوا في أزمة لا مخارج متوافرة لها، حتى إشعار آخر، وتالياً عليهم أن يعيشوا على ما يتوافر لهم من “أدوية مسكّنة”.

ونصرالله محق في ما ذهب إليه، لأنّ إنقاذ لبنان، وفق ما بات واضحاً، يحتاج الى قرارات كبرى، تبدأ، بموقع “حزب الله” في الدولة ودوره في الإقليم، وتمر بتطوير الطبقة السياسية العالقة في صراعاتها “الإلغائية”، وتصل الى اعتماد إصلاحات جذرية مبنية على رؤية واضحة وليس على ردّات الفعل، هنا و”النكايات”، هناك.

وهذا البرنامج الإنقاذي، وفق المسار الذي يعيشه لبنان، غير متوافر حالياً، لأنّ “حزب الله” يريد ترسيخ نفوذه الحالي ويرفض، في آن، إدخال تعديلات على “وظيفته الإيرانية”، ولأنّ الطبقة السياسية مشغولة عن همّ إعادة جذب الدول التي طالما ساعدت لبنان، في كبواته، بأحجامها المستقبلية في لعبة السلطة.

وعليه، فإنّ نصرالله هو الوحيد الذي يملك مبادرة بديلة عن المبادرة الفرنسية وعن مؤتمر “سيدر” وعن خارطة الطريق التي سبق أن وضعتها “مجموعة الدولية لدعم لبنان”.

وتقوم مبادرة نصرالله على الآتي: التوجّه نحو إيران، مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، تعديل قواعد التجارة في لبنان، تطوير وضعية “حزب الله” ليصبح “حشداً شعبياً” يحارب، تحت راية الدولة، “المحتكرين الخونة”.

ومبادرة نصرالله لا تستدعي تغيير اللعبة السياسية في لبنان، بل تقتضي تثبيتها: لا انتخابات نيابية مبكرة، المحافظة على قواعد تشكيل الحكومة، ولو اضطر الأمر الإنتظار دهراً، وجوب عدم تشكيل معارضة سياسية.

ولبنان، في معادلاته الحالية، عاجز عن تجاوز إرادة نصرالله، فالجميع، مع استثناءات لا تملك وسائل المواجهة، لا يريدون البحث في أي مسألة يمكن أن تُثير غضب “حزب الله”، حتى ولو كانت “دواء” لواحد من “أخبث” أمراض لبنان، لأنّ هذا الحزب أمسك بمفاتيح “بيت السلطة” و”خمّارة النفوذ” و” حديقة البقاء على قيد الحياة”.

إذن، والحالة هذه، وفي ضوء الكارثة التي يموت اللبنانيون، معنوياً وجسدياً، تحت ثقلها، لماذا لا ينضوي السياسيون اللبنانيون، تحت راية “مبادرة نصرالله”، بعدما “خانوا تعهداتهم” التي سبق أن قطعوها لدعم المبادرة الفرنسية، بطريقة “أخبث” من تلك التي اعتمدوها ل”دعوسة” “إعلان بعبدا” الذي كان يهدف، في وقت كانت فيه محاصرة “المرض الأصلي” ممكنة، الى منع انزلاق لبنان الى حيث هو حالياً؟

ردّاً على هذا السؤال، ثمّة من يجيب، بلا أي تردّد:” لأنّ نصرالله نفسه غير جدّي في ما يطرحه، بل هو يحاول، مرة جديدة، أن يُلهي اللبنانيين الجائعين، بوضع الطبق المملوء حصى، على النار، ليُظهر نفسه صاحب حلول، في مواجهة قناعة واسعة، بأنّه السبب الرئيس في ما وصلت إليه الأمور”.

وفي محاولة لترجمة “الحكم على نيات” نصرالله، يمكن التوقف عند جدية اقتراحه استيراد البنزين والمازوت من إيران، وبالليرة اللبنانية.

في الواقع، إنّ هذا اقتراح قديم لنصرالله، ولكنّه، على الرغم من الظروف التي لعبت لمصلحته كليّاً، لم يضعه يوماً على الطاولة.

إنّ السلطة في لبنان، مع خروج الرئيس سعد الحريري و” جميع مَن كانوا حلفاءه” من الحكومة، في ضوء انتفاضة 17 تشرين الأوّل(أكتوبر)، أصبحت كلياً، وبشكل متجانس، مشكّلة من “حزب الله” وحلفائه، فرئيس الجمهورية هو ميشال عون الذي رهن “حزب الله” لبنان أكثر من سنتين ونصف السنة حتى يوفّر له ظروف الإنتقال من “فيلا الرابية” الى “قصر بعبدا”، والحكومة التي ترأّسها حسّان دياب، صنعها الحزب وحلفاؤه، من الألف الى الياء، وهذه هي حال الأكثرية النيابية المقررة.

هذا الواقع السلطوي، كان “الفرصة الذهبية” لنصرالله حتى يوجّه الدفة الى إيران لاستيراد البنزين والمازوت، لو كان طرحه مجدياً، لكنّه امتنع عن ذلك، وتمّ “تناسي” الموضوع، كليّاً.

في حقيقة الأمر، فإنّ إيران لا تنتج ما يكفي أسواقها المحلية من بنزين ومازوت، كما أنّ بنيتها التحتية التكريرية متأخّرة جداً، ولهذا فإنّ النوعية التي تنتجها هي نوعية رديئة جداً لا تواكب التقدّم التكنولوجي الحاصل على مستوى المحرّكات.

ومن سبق أن زار طهران، يعرف أنّ القاطنين فيها، ومنذ سنوات عدّة قبل وباء كورونا، كانوا يرتدون الكمامات، حرصاً على صحتّهم من التلوّث وأهمّه التلوّث الناجم عن الوقود الذي تستعمله السيارات الإيرانية.

ولو تمّ تجاوز هذه الناحية، فإنّ الإستيراد من إيران، في ظل العقوبات الأميركية، غير متاح من دولة إلى دولة، بل يجب أن يمر عبر تركيبة معقّدة لإخفاء مصدره، تحت طائلة مصادرة ناقلاته البحرية.

وبمعايير نصرالله، فإنّ فنزويلا “دولة شجاعة” ولكنّ قدرتها على استيراد الوقود من إيران، متدنية للغاية، بسبب العقوبات الأميركية.

وما كانت مناطق النظام السوري مضطرة للإستعانة ب”شفط” البنزين والمازوت من مستوردات لبنان، لو كان متاحاً لها أن تملأ أسواقها التي تعاني شحّاً كبيراً، من إيران.

ولم يخرج أحد بعد، ليشرح الآلية التنفيذية لمبادرة نصرالله القديمة-الجديدة لجهة التسديد بالليرة اللبنانية، بدل الدولار الأميركي.

وفي اعتقاد العارفين لا يوجد سوى حل من إثنين، أوّلهما أن تسدّد المبالغ نقداً من خارج النظام المصرفي اللبناني، بفعل موانع العقوبات الأميركية، على أن تتولّى إيران التي حُرمت من حق التصويت في منظمة الأمم المتحدة، لعجزها عن توفير ما تُسدّد به مساهمتها المالية لسنتين متتاليتين، عبر عملاء ماليين لها إلى تحويل هذه المبالغ بالليرة اللبنانية الى دولار أميركي، في السوق المالية اللبنانية، ممّا يضاعف من كارثة الصعود الجنوني للعملة الأميركية على حساب العملة اللبنانية، وثانيهما، أن تُسدّد هذه المبالغ الى “حزب الله” مباشرة، فيصبح تمويله مباشرة من الدولة اللبنانية، الأمر الذي من شأنه أن يعرّض الدولة اللبنانية لعقوبات غربية، على أساس أنّها تموّل “منظمة إرهابية”.

وهذا قد لا يُزعج “حزب الله” الذي يعمل، عن قصد أو عن غير قصد، على حرمان لبنان من كل أصدقائه التاريخيين ليرميه كليّاً في الحضن الإيراني، ولكنّه بالمحصلة، يزيد “الطين بلّة”، وبدل أن يُخفّف من “عوارض المرض” يفاقمها.

وما طرحه نصرالله في موضوع مكافحة “الإحتكار”، ولو كان يصح خطابياً، إلّا أنّه لا يصح واقعياً، ذلك أنّ المعالجة تبدأ، فقط، بعد توفير نوع من الاستقرار في سعر صرف الليرة اللبنانية، لأنّ المشكلة الأم تكمن في توفير ما يلزم من عملة صعبة لشراء الأدوية والمواد الغذائية من الخارج.

فلو تمّت، فرضاً، مصادرة البضائع المتوافرة في المخازن، لدى “المحتكرين”، وجرى توزيعها على المحتاجين، فهي يمكن أن تخدم السوق اللبناني، شهراً، ولكن من أين سيتم توفير البضائع لتخدم السوق، بعد ذلك؟

إنّ “حزب الله”، ومنذ وقوع الكارثة، يحاول أن يقدّم نفسه “حامل حلول”.

في الواقع، هو عامل أساسي في الكارثة. الحل الوحيد الذي يمكن أن يساهم به هو في إعادة النظر بموقعه في لبنان وتموضعه في الإقليم.

المسألة لا تحتاج الى شجاعة لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية، بل تحتاج إلى شجاعة لرفع قدم “حزب الله” الثقيلة عن رقبة لبنان، حتى يتمكّن من أن يتنفّس.

وعندما نذكر “حزب الله” نذكر ضمناً الطبقة السياسية التي يحميها لأنّها تحوّلت، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى خادمة أمينة لمصالحه، مقابل “حفنة” من المناصب التي كانت يوماً قيّمة وأصبحت حالياً مثيرة للغثيان.

وليس أدل على جدوى “مبادرة نصرالله” سوى تفاعل الدولار الأميركي معها، فسجّل، مرة جديدة، سعراً قياسياً، على حساب ليرة موعودة أن تُصبح “بترو ليرة” لتنافس “البترودولار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى