قمّة بايدن – بوتين والورقة السوريّة
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

ليس لدى روسيا ما تبيعه الى الاميركيين. لذلك، لا فائدة تذكر من القمة التي انعقدت بين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف. كل ما لدى روسيا بضاعة، يمكن وصفها بالكاسدة، في غياب القدرة على لعب ايّ دور إيجابي في ايّ منطقة من العالم، خصوصا في الشرق الأوسط وفي سوريا حيث وضعت روسيا نفسها في خدمة سياسة لا افق لها، لجأت اليها ايران.

تقوم السياسة الإيرانية على فكرة تدمير الدول العربية الواحدة تلو الاخرى ومجتمعات هذه الدول. هذه السياسة هي السياسة المتبعة في سوريا التي تزداد تفتتا يوما بعد يوم. ليس معروفا الى اللحظة لماذا الإصرار الروسي على السير في هذه السياسة الإيرانية. هل يساعد ذلك في ابتزاز الولايات المتحدة في لعبة كان يفترض بالمقيم في الكرملين الاقتناع بانّها انتهت منذ اكثر من ثلاثة عقود، أي منذ سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989.

ليس معروفا بعد ما الذي قدمته روسيا من إيجابيات في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة او قبلها. كلّ ما يمكن قوله انّها لم تتوقف عن الحلم باستعادة امجاد الاتحاد السوفياتي. يعتقد بوتين انّ مجرّد امتلاك ترسانة نوويّة يعتبر كافيا كي تكون بلاده لاعبا أساسيا في الساحة الدولية في وقت يحصل فيه تغيير في التوازنات الدوليّة في ضوء صعود الدور الصيني. استوجب هذا الصعود الصيني تجديد التفاهم بين الدول الأوروبية وأميركا من اجل مواجهة ما يعتبره الجانبان “خطرا صينيّا”.

في كلّ الاحوال، كشف بوتين منذ دخل الكرملين انّه عاجز عن فهم المشكلة الحقيقيّة التي عانت منها روسيا دائما، حتّى في ايّام الاتحاد السوفياتي. تمكن هذه المشكلة في غياب القدرة على تقديم نموذج قابل للتصدير. لم ينجح الاتحاد السوفياتي في ايّ مكان العالم. باع العرب الأوهام. لعب دوره في ايصالهم الى هزيمة 1967. في النهاية، لم تستطع مصر التقدّم واستعادة أراضيها المحتلّة الّا بعد تخلّص أنور السادات من عقدة الاتحاد السوفياتي وطرده الخبراء السوفيات من مصر في العام 1972، أي قبل سنة من “حرب أكتوبر” في خريف العام 1973. لو لم يتخلّص أنور السادات من عقدة الاتحاد السوفياتي، لكانت سيناء لا تزال محتلّة الى الآن ولكانت قناة السويس ما زالت مغلقة. فهم أنور السادات العالم على حقيقته. فهم خصوصا ما هي موازين القوى التي تتحكّم بالعالم. تخلّى السادات عن تفكير الضابط الريفي الذي تحكّم بجمال عبدالناصر الذي لم يفهم، للأسف، في ايّ وقت انّ العداء لاميركا والغرب لا يخدم مصالح مصر بمقدار ما يخدم إسرائيل التي أراد محاربتها.

كما في الماضي، لا تستطيع روسيا في ايّامنا هذه تقديم شيء إيجابي. في النهاية، رعت النظام السوري منذ ما يزيد على سبعين عاما. النتيجة ان الجولان محتلّ منذ العام 1967، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع.

لا وجود لمنطق يدفع روسيا الى دعم ايران في سوريا. هناك من يقول انّ هناك تنافسا بين “الجمهوريّة الاسلاميّة” وروسيا في سوريا. يبدو ان مثل هذا التصوّر غير صحيح. يدلّ على ذلك الدعم الروسي للانتخابات الرئاسيّة السورية التي أبقت بشّار الأسد رئيسا، ولو صوريا، بناء على رغبة ايران. كان يفترض في روسيا الامتناع عن اتباع سياسة سورية تخدم نظاما اقلّويا، اقل ما يمكن قوله عنه انّه في خدمة الإيراني من منطلق طائفي ومذهبي ولا شيء آخر غير ذلك. لكنّها لم تفعل. على العكس من ذلك، رضخت لإيران. يدلّ على ذلك الجهود المستمرّة التي تبذلها طهران لاجراء تغيير ديموغرافي في سوريا في مناطق مختلفة من البلد. ليس معروفا اين مصلحة روسيا في استعداء الاكثريّة السنّية في سوريا. هذه الاكثريّة لن تتغيّر بغض النظر عن الجهود المستمرّة التي يبذلها النظام والميليشيات الإيرانية بهدف خلق امر واقع جديد على الأرض السوريّة، إنّ عن طريق التهجير او طريق الاستملاك لاراض سوريّة.

في العام 2015، خسر النظام السوري، حليف “داعش”، حربه على الشعب السوري. خسرها على الرغم من كلّ الدعم الذي وفرّته له ايران عبر ميليشياتها المذهبيّة اللبنانيّة والعراقيّة والافغانية. هبت روسيا لنجدة النظام ولعب دور اكبر في تدمير المدن السوريّة العريقة، بما في ذلك حلب. وسّعت روسيا قاعدة حميميم قرب اللاذقيّة واستخدمتها منطلقا للدفاع عن النظام وايران بهدف إبقاء بشّار الأسد في دمشق.

لا وجود لمنطق للسياسة الروسيّة في سوريا. لم تكن سوريا ورقة روسية في القمّة التي جمعت بين بايدن وبوتين. كلّ ما في الامر، ان روسيا في خدمة ايران في سوريا وغير سوريا.

ثمّة حاجة الى مراجعة في العمق للسياسة الروسيّة التي تقوم على الجمود وعلى دعم الديكتاتوريات في مختلف انحاء العالم. اخطر ما في الامر، ان روسيا ارتضت ان تكون في خدمة ايران التي لم تجد ما تفعله بغية تخفيف الضغوط الأميركية عليها سوى الذهاب الى الصين وعقد “اتفاق استراتيجي” معها…

هل مثل هذه المراجعة ممكنة؟ لا جواب عن مثل هذا السؤال. الامر الواضح ان روسيا لا تريد ان تتعلّم من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك تجربة الاتحاد السوفياتي الذي انهار لاسباب اقتصاديّة قبل ايّ شيء آخر. ليس ما يدلّ على ان روسيا في عهد بوتين قادرة على تحسين الاقتصاد الروسي باي شكل. لم ير اشخاص زاروا البيوت في مختلف المدن الروسيّة أي منتج روسي داخل هذه البيوت. هذا ما يؤكّد فشل بوتين الذي يحتاج اليوم قبل غد الى الخروج من عقدة القوّة العظمى التي كان عليها الاتحاد السوفياتي. مثل هذا الخروج من تلك العقدة يمكن ان يؤمّن نجاحا لقمّة مع رئيس أميركي يمتلك تجربة طويلة في الشؤون الدوليّة ويعرف كثيرا عن روسيا واوراقها المضحكة، من بينها الورقة السوريّة على سبيل المثال وليس الحصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى