رسالة امرأة غير صالحة للنشر

النشرة الدولية –

فوز حمزة

شعرت بالبرد حين دقت الساعة دقة واحدة بعد منتصف الليل ..

وحين يحل البرد تضطرب الحواس وتعاني من رغبات شريرة تجتاح الأسرار الناعمة.

أجل اعترف .. في هذا المساء الذي هبط فيه الظلام سريعاً تنشطت ذاكرتي فامتلأ الشفق الصافي بالضباب ..

تمنيت أن أكون معك.. قربك.. أرمي بِرأسي الصغير المتعب فوق كتفك .. أتحسّس أصابعك وهي تعبث بخصلات شعري ويصيبها التهور لتنزلق على ظهري فتشدني إليك أكثر.. أكثر بكثير مما ينبغي .. بل أكثر مما أراد ألله ..

أحبّكِ .. هي الحروف التي سقطت عليّ كالمطر حين يهطل فوق شجرة وحيدة تتوسط غابة ..  سقطت منك عليّ كما لو إنها ثمار تهافتت من الجنة ..

استشعر أنفاسك الدافئة وهي تمرق كسواح فوق وجهي وتحت عنقي وربما تصل إلى مدني وقراي التي أخشاها دوماً حيث تستقر شفتاك الرطبتان فوق شفتيَّ وهي الأمنية الأكبر والأكثر شراً التي تراود أحلامي لأقضيّ ساعات الليل تحت وطأتها.. الصباح بغيومه الكثيفة يبدد كل شيء حين يلقي بنوره على أحلامي.. فتهرب خائفة مرتعدة من أنْ يلمحها أحد ..

عباءة الليل السوداء أحنُّ عليّ وأرق من شعاع الشمس الدافء المتسلل عبر الستائر السميكة ليهدم جدران البيت الواهن الَّذي كنت ألوذ به ..

سراديّب الروح المظلمة ملجأي ومنفاي.. أسّير فيها أتآبط غربتي ..

أغدو وحيدة برفقة الحنين.. فيجلدني شوق أصّم  ..

وأنا اتدحرج إلى قعر الأربعين من عمري.. شعرت بوخز الأشواك تنفذ عميقاً إلى روحي ٠٠

ظلام الوادي وحده من يسمع أنين الحجارة الساقطة من علٍ ..

لم أفكر كيف هي النهاية .. بل التّفت إلى سنيني الماضية .. كنت أحسبها رائعة وظننت أننّي كنت أحيّاها بسعادة .. الوهم حسم الموقف عندما رأيته يلوح لي من بعيد.. مستهزءاً بيّ.. ويخفي الكثير من الأسّرار ..

كثيراً ما تساءلت .. من أيُّ ثقب تسلل إليَّ إحساس الرضا الذي كنت أشعر به ؟؟

وهل كان صادقاً إحسّاسي ؟؟

بعد مرور وقت طويل .. عرفت إنَّ الرغبة في الهرب من الواقع .. هي التي سربت إليّ هذا الشعور.. السراب الذي كنت ألهث خلفه من أوصلني إلى أرض الحقيقة ..

لم يكن سهلاً الاعتراف لنفسي بالفشل.. صعباً عليّ البوح من أنني لم أكن أملك سوى نصف مرآة لا تزال  صورتي المثقلة بالحياة عالقة بها ..

شعور بألم كبير استقر عميقاً في داخلي حين أدركت أنّ تحقيق أحلامي ليست من أولويات الآخر.. لأكون شجاعة أمام نفسي واعترف .. حروف اسمي لم تكن مدونة في دفتره ..

اتسعت الصحراء بيننا وغطى الصقيع رملها ..

كل يوم يمر أدفن فيه جزء مني حتى اختفيت.. سوى الظلال وبذرة احتضنتها وروح ترفض الاحتضار لم يتبق شيء آخر يدل عليَّ  ..

مؤلم الاعتراف لنفسي بأني امرأة لم يمنحها أحد الحب.. ولم تستطع هي منحه لأحد حتى عرفته.. شعرت بخيط أحمر يمتد عبر خمسة ألاف سنة يربطني به.. يشدني إليه كلما ابتعدت ويشده إلي كلما حاول الهرب ..

أحسست بأنّي أعرفه من حياة سابقة.. انشطرت هناك أروحنا فعدنا لنبحث عنها في أجسادنا …  لم أملك شيئاً يدلني عليه حتى مد يده البيضاء وأخرج نصف المرآة.. كانت  بقايا صورتي فيها..  مد كفه لتمسح عن عينيّ نظرات الوهن والعجز.. فرشاته نثرت ألوان قوس قزح كما السماء بعد سقوط المطر .. أبصر ماكان خافيا عني ومني.. في عينيه رأيتني لأول مرة .. صورة امرأة ترفض الاحتضار والحياة على مقربة منها ..

في ثنايا روحه رقدت روحي لتنتهي رحلة وتبدأ أخرى ..

هذه الرسالة له وحده لأنها غير صالحة للنشر ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى