الفشل السياسي الأميركي… في أفغانستان والعراق
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
لم يعد مستقبل أفغانستان معروفا بغض النظر عن التصريحات المتفائلة للرئيس جو بايدن. ستتمكن حركة “طالبان” عاجلا ام آجلا من وضع يدها على كلّ أفغانستان. ستكتفي في المستقبل المنظور بمحاصرة كابل في انتظار سقوطها على نحو تدريجي.
ثمّة عودة الى ما قبل 11 أيلول – سبتمبر 2001 عندما نفّذ تنظيم “القاعدة” الذي كان زعيمه أسامة بن لادن يقيم في أفغانستان، بحماية “طالبان”، غزوتي نيويورك وواشنطن.
استطاعت القوات الأميركية، في ضوء رفض زعيم “طالبان”، وقتذاك، الملا عمر، تسليم أسامة بن لادن اخراج “طالبان” من كابل ومناطق أفغانية أخرى. لكنّ تلك الحركة الظلاميّة التي اخترعتها، او على الاصح ارتكبتها، الأجهزة الامنيّة الباكستانيّة بقيت منتشرة في الأرياف. تزحف “طالبان” حاليا انطلاقا من الارياف في اتجاه المدن الكبرى، بما في ذلك العاصمة. ليس أكيدا ان “طالبان” باتت تسيطر على ما يزيد على 85 في المئة من الأراضي الافغانيّة. ما هو اكيد ان القسم الأكبر من أفغانستان صار تحت سلطتها.
في محاولة لرفع معنويات الجنود الاميركيين، يتحدّث بايدن عن انتصار في أفغانستان. نعم، حققت القوات الاميركيّة انتصارا عسكريا في أفغانستان. كان انتصارا مؤقتا. لكنها فشلت سياسيا. لم تستطع الولايات المتحدة إقامة نظام سياسي قابل للحياة بعد اخراج “طالبان” من كابل.
هناك مخاوف حقيقية من عودة أفغانستان مأوى للتنظيمات الارهابيّة من نوع “القاعدة” وما شابهها، وهي حركات ولدت من رحم تنظيم الاخوان المسلمين الذي انتمى اليه أسامة بن لادن في شبابه قبل ان ينشئ تنظيما ارهابيّا خاصا به يتوافق مع تطوّر فكره الارهابي. تفوّق أسامة بن لادن، عبر “القاعدة”، على كلّ التنظيمات الارهابيّة الأخرى التي انتجها العالم، بما في ذلك حركة “طالبان” نفسها التي مارست ارهابها على الأفغان وعلى المرأة الافغانيّة على وجه التحديد.
أسئلة كثيرة ستطرح نفسها بعد إتمام الانسحاب الأميركي من أفغانستان. لا شكّ ان هذا الانسحاب سيترك فراغا. هل تستطيع حركة “طالبان” ملء هذا الفراغ ام ستتحوّل أفغانستان الى ارض مفتوحة لصراعات ذات طابع إقليمي؟ هناك دول عدّة تتأثّر بما يدور في أفغانستان. في مقدّم هذه الدول باكستان والهند وايران وتركيا وروسيا والصين. لكلّ من هذه الدول حساباتها التي ستجعل الوضع الافغاني اكثر تعقيدا في المستقبل، خصوصا في ظلّ كلام كثير عن تمكّن ايران من إيجاد تحالفات جديدة في الداخل الافغاني… وعن طموحات تركيّة الى دور على الأرض يشمل ارسال قوّات لتأمين مطار كابل.
ربّما قرّرت اميركا ان تكون أفغانستان “ساحة” تتنافس فيها هذه الدول بدل ان تكون همّا خاصا بها بعدما عجزت عن إقامة نظام بديل من نظام “طالبان”. في النهاية، اتخذ جو بايدن قرارا شجاعا عندما قرّر الانسحاب عسكريا من افغانستان بعد عشرين عاما على غزوتي نيويورك وواشنطن. يعرف الرئيس الأميركي انّه لا يمكن لبلاده ان تربح الحرب الأفغانية وأن قرارا بالانسحاب العسكري سيتخذ في يوم من الايّام. رفض ترك هذا القرار لغيره، خصوصا ان الوجود العسكري الأميركي بات مكلفا جدّا.
على هامش الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان، لا يزال السؤال الأساسي يطرح نفسه: لماذا قرّرت إدارة جورج بوش الابن اجتياح العراق في وقت كانت الحرب في أفغانستان لا تزال دائرة؟
سيبقى هذا السؤال في الواجهة لسبب في غاية البساطة. يعود السبب الى ان إدارة بوش الابن تذرعت بغزوتي نيويورك وواشنطن لتبرير اجتياح العراق، علما انّه لم يكن هناك أي رابط بين النظام العراقي من جهة واسامة بن لادن و”القاعدة” من جهة أخرى.
لا تستطيع اميركا، بكل جبروتها خوض حربين كبيرتين دفعة واحدة. انتهى الامر بتسليم العراق على صحن من فضّة الى ايران التي كانت شريكا في الحرب من اجل اسقاط نظام صدّام حسين.
الفشل الأميركي في أفغانستان والعراق واحد. إنّه فشل سياسي. في أساس هذا الفشل العجز عن إقامة نظام جديد قابل للحياة في ايّ من البلدين، على الرغم من تحقيق انتصار عسكري في كليهما. تدفع إدارة بايدن حاليا ثمن هذا الفشل المزدوج الذي لا تبرير له سوى انّ مسؤولين في إدارة بوش الابن دفعوا في اتجاه الحرب على العراق. لماذا فعلوا ذلك؟ هذا لغز وليس سؤالا.
كلّ ما هو معروف الى الآن ان كبار المسؤولين الاميركيين التقوا في منتجع كامب ديفيد مباشرة بعد غزوتي نيويورك وواشنطن وعقدوا اجتماعا برئاسة بوش الابن. في هذا الاجتماع، طرح بول ولفويتز، نائب وزير الدفاع فكرة الردّ على ما قام به أسامة بن لادن وتنظيمه في العراق وليس في افغانستان. ردّ عليه وزير الخارجية كولن بأول، وقتذاك، مؤكّدا غياب أي رابط بين “القاعدة” من جهة والعراق ونظام صدّام حسين من جهة اخرى. انتهى الامر عند هذا الحد. لكن الذي حصل بعد الاجتماع ان صحافيين سألوا ولفويتز لماذا طرح موضوع العراق؟ أجاب انّه “زرع بذور” الحرب على العراق. لماذا العراق، علما ان النظام فيه كان تحت الحصار وانّ الولايات المتحدة استطاعت تحويل صدّام حسين الى ما يشبه جثّة، من الناحية السياسية؟
ستمرّ سنوات قبل الوصول الى معرفة خبايا هذا اللغز. في انتظار ذلك، ليس ما يشير الى ان موضوع أفغانستان سيحلّ قريبا بـ”طالبان” ومن دون “طالبان”. هناك معركة كبيرة بدأت. سيتوضح في نتيجتها من سيكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بلد سيستحيل في كلّ وقت السيطرة عليه كلّه. الامر الوحيد الأكيد ان “طالبان” ستجعل من المواطن الافغاني انسانا بائسا يعيش في ظلّ نظام لا قيمة فيه للإنسان وللمرأة تحديدا! الامر الأكيد الآخر ان الولايات المتحدة لم تستطع البناء على انتصارين عسكريين في افغانستان والعراق. فشلت في ذلك بسبب حسابات لم يتحدّد بعد من يقف وراءها. في أساس هذه الحسابات خلق عذر لاجتياح العراق وتغيير كلّ التوازنات في الشرق الأوسط والخليج. منذ اجتياح العراق وتسليمه الى ايران، لا يزال الشرق الأوسط في حال مخاض يصعب التكهّن بما سيسفر عنه.