الفشلان الأميركي والعراقي لا يبنيان نجاحا
بقلم: خيرالله خيرالله

النشرة الدولية –

لو كان العراق بلدا طبيعيا، لما كانت حاجة الى حوار استراتيجي والى مفاوضات مع اميركا من اجل البحث في مستقبل العلاقة بين البلدين، بما في ذلك الوجود العسكري الأميركي في البلد. في النهاية، إنّ كل النظام القائم حاليا في العراق يرتكز على حرب اميركيّة كلّفت مليارات الدولارات إضافة الى ضحايا بالمئات في صفوف العسكريين الاميركيين… حرب خرج منها منتصر واحد هو “الجمهوريّة الاسلاميّة” في ايران!

عندما كان الاحتلال الأميركي للعراق يستهدف التخلّص من النظام القائم برئاسة صدّام حسين، كان هذا الاحتلال مرحبّا به. عندما صار الوجود العسكري الأميركي في العراق، حتّى لو كان رمزيا، يتعارض مع النفوذ الإيراني، اصبح هذا الوجود “مرفوضا” تجب محاربته.

لو كان العراق بلدا طبيعيا لما كنت حاجة الى حوار من ايّ نوع بين بغداد وواشنطن. ما يحدث حاليا، بما في ذلك اللقاء بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بمثابة تتويج لفشلين. فشل أميركي على كلّ المستويات وفشل عراقي مذهل يصعب تحديد حجمه. من الصعب تحقيق نجاح، او بناء نجاح، انطلاقا من فشلين.

خسرت المانيا واليابان الحرب في العام 1945. عرف البلدان كيف تحويل الخسارة الى ربح. المانيا قوّة اقتصاديّة يعيش شعبها برفاه، كذلك اليابان. في المانيا واليابان قواعد عسكريّة اميركيّة. هذه القواعد موجودة منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية التي استخدمت فيها اميركا القنبلة الذرّية في هيروشيما وناغازاكي. يظلّ النجاح افضل انتقام. انتقمت المانيا واليابان من الهزيمة العسكريّة في مواجهة اميركا عن طريق اعادة بناء البلد مع تركيز خاص على الاقتصاد. هذا ما فعلته المانيا التي باتت العمود الفقري للاتحاد الأوروبي.

لنضع المانيا واليابان جانبا. كلّ ما يمكن اخذه من تجربتهما هو تلك القدرة على تجاوز المحنة والخسارة والهزيمة الساحقة من اجل التطلّع الى المستقبل. هذا ما لم يحدث في العراق. هذا يعود أساسا الى ان العراق ليس المانيا او اليابان. لا وجود في العراق لمن يعرف كيف يخسر او يربح او لمن يمتلك القدرة على الاستفادة من تجارب الماضي، مهما كان قريبا.

لعلّ الفشل الأميركي الأكبر، كان في تحويل العراق مكانا تمارس فيه كلّ التجاوزات انطلاقا من انفلات الغرائز المذهبيّة التي هي جزء لا يتجزّأ من المشروع التوسّعي الإيراني.. ليس معروفا الى الآن كيف كان يمكن لإدارة اميركيّة مثل إدارة جورج بوش الابن الاقدام على خطوة من نوع غزو العراق من اجل اسقاط نظام صدّام حسين من دون امتلاك خطّة واضحة لما بعد الانتهاء من النظام البعثي – العائلي الذي لم يكن يمتلك أي معرفة بموازين القوى في المنطقة والعالم.

تدفع اميركا حاليا ثمن فشلها العراقي. يدفع العراق ثمن العجز عن بناء نظام جديد قابل للحياة بعد العام 2003. لم تستطع الإدارات الاميركيّة المتلاحقة تكوين سياسة واضحة ومتماسكة تجاه العراق. لم يكن هناك اي استيعاب للنتائج التي ستترتّب على الاتيان بالميليشيات المذهبيّة العراقية التابعة لإيران الى العراق. لم يكن هناك استيعاب لمعنى حل الجيش العراقي ولا لتشكيل مجلس الحكم الانتقالي في عهد المفوض السامي بول بريمر مع ما عناه ذلك من تهميش مقصود للسنّة العرب. هل كان طبيعيا كلّ هذا الاحتقار للسنّة العرب في العراق لمجرّد ان صدّام حسين كان سنّيا؟

يمكن فتح ملفات كثيرة تؤكّد الفشل الأميركي وصولا الى الفشل العراقي الذي جسّده، بكل مفاهيمه، نوري المالكي وغيره والذي يتحملّ نتائجه الآن مصطفى الكاظمي الساعي بالتنسيق مع رئيس الجمهوريّة برهم صالح الى تدوير الزوايا في العراق.

لا يتحمّل مصطفى الكاظمي وبرهم صالح مسؤولية الفشل العراقي الذي هو نتيجة تراكمات منذ العام 1958، تاريخ الانقلاب العسكري الدموي الذي أطاح العائلة المالكة الهاشميّة وصولا الى حروب صدّام حسين واجتياحه الكويت. كانت الاحداث التي تلاحقت في العراق تمهيدا للاجتياح الأميركي لبلد كان في استطاعته لعب دور مهمّ في الشرق الأوسط وحتّى في منطقة الخليج. ما لا يمكن تجاهله انّ العراق هو احد البلدان القليلة في المنطقة التي تمتلك ثروات عدّة متمثّلة في النفط والانسان والمياه.

يصعب تصوّر كيف تحوّل العراق بمدنه المزدهرة، مثل بغداد والبصرة والموصل، الى دولة فاشلة. ما هو اصعب من ذلك، تصوّر كيف لإدارات اميركيّة متلاحقة، خصوصا إدارة باراك أوباما، تجاهل معنى الهيمنة الايرانيّة على العراق وابعادها الاقليميّة.

هل يأتي يوم تدرك فيه واشنطن انّ العراق هو العراق وانّ ايران هي ايران وانّ لا توازن اقليميّا من دون توازن بين العراق وايران، توازن لا يقوم على عداء بين بغداد وطهران؟

في إعادة مثل هذا التوازن يكمن لب المشكلة. ولانّ المشكلة في الهيمنة الإيرانية على العراق، وهي هيمنة يرفضها العراقيون باكثريتهم الساحقة، ليس الحوار الأميركي – العراقي سوى مضيعة للوقت، على الرغم من كل النيات الحسنة لمصطفى الكاظمي وسعيه الى علاقات طبيعية للعراق مع ايران من جهة ومع الدول العربيّة من جهة اخرى.

لعلّ اخطر ما في الامر انّ في العراق ميليشيات تابعة لإيران يسمح القائمون عليها لنفسهم بمهاجمة الوجود الأميركي في بلد كان صدّام حسين سيظلّ يحكمه الى اليوم لولا الجيش الأميركي… ولا احد غير الجيش الأميركي.

بكلام أوضح، ان الفشلين الأميركي والعراقي لا يبنيان نجاحا… في غياب الرغبة في الذهاب الى أساس المشكلة. أساس المشكلة ان لا عراق في ظلّ هيمنة “الحشد الشعبي”، الذي ليس سوى مجموعة ميليشيات إيرانية، تهيمن على القرار في بغداد. امّا العراق هو العراق وامّا هو تابع لإيران. عندئذ، ستكون الحاجة اكثر من ايّ وقت الى بحث جدّي أميركي في مستقبل العراق مع “الجمهوريّة الاسلاميّة” وليس مع مصطفى الكاظمي ووزير الخارجية العراقي وآخرين مقيمين في بغداد.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى