نافذة رودي المكسورة
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

أجرى فيليب زمباردو، وهو عالم نفس واجتماع أميركي، تجربةً عام 1969 أصبحت في ما بعد واحدةً من أشهر الأمثلة في دراسات علم الجريمة بشكلٍ خاص وفي العلوم الاجتماعية بشكل خاص.

قام زمباردو بترك سيارتين بأبوابٍ مفتوحةٍ ولوحات أرقام مفقودة في منطقتين مختلفتين، الأولى في حيٍ فقير والأخرى في حيٍ غني.

خلال بضع دقائق بدأت سرقة وتخريب السيارة في الحي الفقير، ودمرت بالكامل خلال ثلاثة أيام.

تطلب الأمر وقتا أطول للمارة في المنطقة الغنية لبدء تدمير السيارة مما أرغم زمباردو على التدخل وكسر إحدى نوافذ السيارة، فبدأ الناس بكسر بقية نوافذها وسرقتها، واستغرق الأمر وقتًا مشابهًا للحي الفقير لتحويل السيارة بالكامل إلى خردة.

وفي عام 1982، تابع عالمان آخران دراسة «زمباردو» وملاحظاته عن طريق إجراء أبحاث مماثلةٍ على مبانٍ وممتلكات أخرى في مناطق مختلفة واستحدثا نظرية أطلقا عليها نظرية «النافذة المكسورة»، وتتلخص في أن إهمال معالجة أي مشكلة بيئية سيكون له تأثير في مواقف الناس وتصرفاتهم تجاهها بشكلٍ سلبي، وما يؤدي إليه ذلك من مشاكل أكثر وأكبر. والعكس صحيح أيضاً، فمعالجة المشاكل الصغيرة في وقت سريع ستؤدي الى بيئةٍ أفضل وسلوكٍ أحسن.

مما يثير الاهتمام في هذه الدراسات أن الأشخاص الذين قاموا بالتخريب المتعمد للسيارات والمباني لم يكونوا مجرمين، بل كان معظمهم من عامة الناس والمواطنين الملتزمين بالقانون. ومع ذلك فإن النافذة المكسورة أرسلت رسالةً خفيةً توحي بأنه لا أحد يهتم، وعلى الأرجح لا عواقب لإتلاف ما تم كسره أصلاً.

تخيل أن هناك فنجاناً مكسوراً في منزلك، هل سيكون هناك أي عواقب لكسره أكثر؟ أم هل ستكون حريصاً على ألا ينكسر أكثر عند رميه في صندوق القمامة؟!

وبالإمكان تطبيق هذه النظرية على العديد من مجالات الحياة الأخرى. فمثلاً: إذا تركنا قمامة في حديقة عامة، ولم تتم إزالتها في وقت معقول، ولم تطبق أي عقوبات على من رماها، فإن ذلك سيؤدي لقيام أشخاص آخرين برمي زبالتهم عليها.

وإذا سمح معلمٌ لأحد الطلاب بالغش في امتحان مادة ما، فسيكون الغش مقبولاً في امتحانات أخرى ومن طلاب آخرين في جميع مستويات التعليم.

وفي المنزل، إذا كنت لا تغسل الأطباق بعد الأكل مباشرةً فسيؤدي ذلك لتراكمها وربما إلى مشاكل صحية كبيرة في المستقبل.

وقد يؤدي خلاف صغير مع شريك حياتك إلى مشاكل أكبر تنتهي إلى الانفصال والتفكك الأسري الذي قد يستمر تأثيره إلى أجيال عدة.

لذلك، فإن تجاهل المشاكل الصغيرة اليوم سيؤدي إلى مشاكل أكبر غدا.

وفي الواقع، فإن العديد من القضايا الصحية والبيئية والاجتماعية التي نواجها في يومنا هذا، كانت نتاج تراكمات لأفعال وسلوكيات وظروف خاطئة صغيرة تم تجاهلها وعدم معالجتها في الماضي، كمشكلة البدون والتجنيس.

لذا من الضروري قيام الحكومة والشركات، وقبل ذلك الأفراد، بإصلاح النوافذ المحطمة في حياتهم حتى يحظى الأبناء، والأطفال، والشعب، والأجيال القادمة، بمستقبل أفضل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى