قصة قصيرة/ بلغاري ٠٠٠ عربي ٠٠
فوز حمزة
النشرة الدولية –
لم يكن قد مضى على وجودي في بلغاريا سوى أربعة شهور حين قررت التسوق وحدي .. فالآن بمقدوري فعل ذلك بعد أن تعلمت من الكلمات ما يمكنني من ذلك .. والحياة تحتاج المجازفة .. هذه هي المقولة التي كنت أغري نفسي بها قبل كل عمل جديد أروم القيام به .. فأجد نفسي تنساق ورائي كطفلة لا تجد سوى التمسك بيد أمها وسط الأزدحام دون أن تعلم ما الذي يدور في رأس الأم ..
دخلت السوق الذي بدا مزدحمًا هذا اليوم الذي يسبق نهاية الأسبوع، لا بأس .. نصف ساعة إضافية في هذا المكان لن تجعل العالم أكثر سوءاً ..
بعد أن تبضعت ووضعت ما اشتريته في الحقيبة، تذكرت أن هناك شيئًا ينقصني، فوراً توجهت لبائع ذلك الشيء فقلت له بالبلغارية:
– أريد كيلو غراماً من هذا ..
وأشرت له بيدي لذلك الشيء ..
فابتسمت عيناه قبل فمه الذي أسفر عن أسنان ناصعة البياض ، فقال لي :
– لا يمكن سيدتي ..
قلت له مستغربة :
– لم أفهم ما تقصد !!
رد والابتسامة ما تزال تعلو ملامحه ..
– لا أبيع كيلو غرامًا منه ..
وأنا أحاول إنهاء النزاع لصالح العرب بالتنازل فقلت له :
– لا بأس ، زن لي كيلوغرامين ..
– ولا حتى عشرة أو عشرين .. أما أن تأخذي كل البضاعة أو تتركيها كلها ..
ليس فقط حديثه الغريب من أيقظ غضبي بل تلك الابتسامة التي كانت تكتم ضحكة كان يحاول تسريبها من دخان سيجارته ..
جرجرت الحقيبة ومعها جرجرت الإحراج كمن تجر عربة طفل سقط إطارها، الإحراج الذي تركه فعل البائع قليل الذوق والذي لم يشفع له رجاءه في أن أعود ثانية ليبيعني كيلو غراما واحداً كما طلبت ..
في طريق العودة ، وأنا ما زلت تحت تأثير سلبي من جراء ماحدث، تذكرت بغداد وأسواقها ومعاملة البائعين الرائعة رغم أنني كنت أكذب على نفسي في هذا الموقف بالذات، وأيضاً أخذني الحماس بعيدًا ليقنعني بوجوب كتابة رواية توثق ماحدث قبل قليل لأبين للعالم كيف يعامل العربي في بلاد الغربة التي تنادي بالديمقراطية والمساواة بين الشعوب، لكن قلت لنفسي لأدع أمر الرواية والديمقراطية الآن وأفكر ماذا سأطبخ اليوم على الغداء، فجأة تذكرت اسم الشيء الذي أردت شراءه من ذلك البائع ، فكان الغوغل المترجم المنقذ تلك اللحظة، فكتب باللغة العربية مترجمًا ما قلته للبائع باللغة البلغارية: أريد كيلو غرامًا من حبك ..