“نيوزويك”: الرئيس السوري لم ينج فحسب…. يبدو أنه مستعد للعودة بشكل مذهل إلى المسرح العالمي

النشرة الدولية –

“بشار الأسد لم ينج فحسب، بل يبدو أنه مستعد للعودة بشكل مذهل إلى المسرح العالمي”

هذا ما خلص إليه تقرير مطوّل نشرته مجلة “نيوزويك” الأميركية، تحدّثت فيه عن التطورات الأخيرة في سوريا، ‏وخاصة التطبيع مع نظام الأسد، كما وضعت صورة الرئيس السوري على غلاف عددها الأسبوعي الصادر ‏أمس، مع عنوان “لقد عاد”.‏

ورأت المجلة أنه مع حلول عام 2012، بدا أنها كانت بداية النهاية للأسد الذي أصبح في ذلك ‏الوقت “منبوذاً دولياً”، بسبب جرائمه الوحشية، حيث قطعت معظم دول العالم علاقاتها معه ‏وأغلقت سفاراتها، وفُرضت عقوبات اقتصادية على نظامه، واستعدت الحكومات الأجنبية لدعم ‏المعارضة المسلحة لإطاحته.‏

أما “الآن، ومع نهاية عام 2021، فلم ينج بشار الأسد فحسب، بل يبدو أنه ‏مستعد للعودة بشكل مذهل إلى المسرح العالمي، فبعد مرور عقد من الزمان على أفعاله التي ‏تسبّبت بالحرب الأهلية، يقف الأسد قوياً في مواجهة دولة مدمّرة إلى حد كبير، لا تملك سوى ‏القليل من الخيارات”، في إشارة إلى الولايات المتحدة.‏

ولفتت إلى أن الأسد “بمساعدة حليفيه القديمين، إيران وروسيا، تمكّن من استعادة جزء كبير من ‏الأراضي السورية من المعارضة المسلحة التي حاولت إطاحته”، مضيفة أن “العديد من ‏الدول التي قطعت علاقاتها معه قبل 10 سنوات عادت للترحيب به، على الرغم من المعارضة ‏الأميركية المستمرة لحكمه”.‏

ونقلت “نيوزويك” عن السفير السابق، وآخر مبعوث أميركي إلى سوريا، روبرت فورد، قوله إن ‏الأسد “سيبقى في السلطة”، و”لا طريقة لتخيّل أن المعارضة السورية الآن، ‏ومن خلال قوة السلاح، ستكون قادرة على إجباره على التنحي”، مؤكداً أنه “ليس هناك بديل ‏قابل للتطبيق”.‏

ورأى فورد، الذي شهد التطورات التي أدت إلى الحرب الأهلية منذ بدايتها، أن تلك “نتيجة يجب ‏مراقبتها”، مشيراً إلى أن سوريا أصبحت “دولة ممزقة اقتصادياً واجتماعياً، حيث نزح نصف ‏سكان البلاد، وهرب أكثر من ربعهم”.‏

وأكد الدبلوماسي الأميركي أن “الوضع لن يتحسن بالنسبة للسوريين العائدين إلى داخل سوريا، ‏ولا للاجئين أيضاً، إنه أمر مأسوي فقط”.‏

من جانبها، اعتبرت المحللة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية، والتي تشغل اليوم منصب ‏مستشار أول لشؤون سوريا في معهد الولايات المتحدة للسلام منى يعقوبيان، أن “لا  ‏احتمال لحدوث تغيير في القيادة السورية، سينتقل التركيز الآن الى كيفية تعامل الدول الأخرى ‏مع الأسد”.‏

وأوضحت يعقوبيان أنه “نظراً إلى الدعم الروسي والإيراني القوي، فمن المرجح أن يحافظ ‏الأسد على قبضته على السلطة على المدى المتوسط على الأقل”، مضيفة: “أدرك ‏العديد من دول المنطقة ذلك، وبدأنا نرى المزيد من الجهود البارزة لاستيعاب هذا الواقع”.‏

ووفق “نيوزويك”، فإنه “مع تقدّم التقارب بين سوريا والدول العربية الأخرى، فإن ما لم يتضح ‏بعد هو الشكل الذي ستتخذه تلك الجهود، والأهم من ذلك، كيف ستستجيب الولايات المتحدة، وهي ‏تطورات من المحتمل أن تؤثر على ميزان القوى في المنطقة وخارجها”.‏

وأشارت إلى أنه “بالنظر إلى أن الظروف التي أدت إلى نبذ الأسد لم تتغير جذرياً، فإن ‏الرغبة في الاستقرار الإقليمي تبدو أقوى من المخاوف بشأن حكم الأسد أو انتهاكاته الجماعية ‏لحقوق الإنسان المرافقة لبقائه في السلطة”.‏

وقالت: “في الوقت الذي تكافح فيه المنطقة الأزمات والفوضى، وتعمّق التحديات الاقتصادية ‏ووباء كورونا المعاناة الإنسانية المنتشرة على نطاق واسع، فإن حكومات المنطقة مهتمة أكثر ‏بوقف تصعيد النزاعات ومعالجة هذه التحديات المستمرة والمزعزعة للاستقرار”.‏

ومن الأمثلة التي تحدّثت عنها “نيوزويك” حول التحوّل في المواقف الإقليمية تجاه الأسد، والتي ‏تهدف إلى إعادة نظام الأسد إلى التحسّن الأخير في العلاقات مع الأردن، وإعادة البحرين ‏والإمارات فتح سفارتيهما في دمشق، كما رفعت منظمة “الإنتربول” قيودها عن نظام الأسد، ‏بالإضافة إلى القرار الذي اتخذته إدارة بايدن بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على الأسد وفق قانون ‏‏”قيصر”، ما سمح بإيصال الغاز المصري إلى لبنان.‏

وعن مواقف بعض الدول العربية تجاه الأسد، نقلت “نيوزويك” عن المساعد السابق لوزير ‏الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر قوله “يبدو أن هناك مجموعة من الدوافع ‏الضيقة تقود هذا التطبيع، فالإمارات ترى أن إعادة دمج الأسد وإعادة إعمار سوريا تنطوي على وعد ‏بإنهاء انتشار القوات التركية في إدلب”.‏

وأضاف أن الأردن “مدفوع أساساً بالرغبة في مساعدة اقتصاده، وإعادة اللاجئين السوريين من ‏أراضيه، وإعادة إنعاش التجارة والنقل البري عبر سوريا إلى تركيا وأوروبا”، مشيراً إلى أنه في ‏هذا الصدد “تستمر قيود قانون قيصر الأميركي وتثير غضب عمان”.‏

كما تطرّق شنكر الى المخاوف الإقليمية الأكبر على دول مثل مصر وإسرائيل، اللتين “تأملان الحد من ترسيخ قوة أخرى غير عربية، إيران”، موضحاً أن المسؤولين المصريين “يؤيدون ‏الفكرة المشكوك فيها بأن عودة سوريا إلى الحضن العربي يزيد تدريجياً من عروبتهم، وبالتالي ‏يبعدها عن إيران الفارسية”.‏

وأشار إلى أنه “من المحتمل أن تشترك دول إقليمية أخرى في وجهات نظر مماثلة، حتى أن ‏بعض شخصيات الأمن القومي الإسرائيلي تقدر أن روسيا قد تحدّ من الزحف الإيراني في سوريا ‏ما بعد الحرب تحت حكم الأسد”.‏

ولفتت “نيوزويك” إلى أن “كل هذه التطوّرات تتعارض مع الموقف الرسمي للولايات المتحدة من ‏نظام الأسد، حيث لا تزال العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق مقطوعة، وسفارتاهما لا ‏تزالان مغلقتين، مع عدم وجود مسار واضح للمصالحة”.‏

وأكدت أنه “على الرغم من ذلك، فإنه بشكل غير رسمي على الأقل، يبدو أن هناك تغييرات ‏تحدث على قدم وساق”.‏

الى ذلك، أوضح ديفيد شنكر أن “إدارة بايدن قالت إنها لن تطبع العلاقات مع الأسد، لكن لم يعد ‏يبدو أنها تثني الشركاء العرب عن القيام بذلك، وعقوبات قانون قيصر إذا طُبقت، قد تمنع الدول ‏العربية من استئناف العلاقات الطبيعية، بما في ذلك التجارة مع حكومة نظام الأسد”.‏

ولفت الى أن واشنطن أكدت أنها “لن تطبّع مع الأسد، لكن يبدو أنها لن تثني شركاءها العرب عن ‏ذلك”. ‏ ‏

وأشار إلى أن “الالتزامات الكبيرة المتزايدة للدول العربية تقوّض عزلة نظام الأسد، وما تبقى من ‏سياسة الضغط التي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب”، موضحاً أنه “حتى الآن، منعت ‏هذه السياسة نظام الأسد من تحقيق نصر كامل، لكن مع تحرك الدول العربية نحو الأسد، ‏سيصبح من الصعب بشكل متزايد الإبقاء على العقوبات”.‏

من جهة أخرى، يرى المتحدث باسم “حركة النجباء” العراقية، نصر الشمري، أن “هناك سببين ‏لما يعتبره تراجعاً لقوّة واشنطن ونفوذها، الأول داخلي، حيث لم تعد الولايات المتحدة كما كانت من ‏قبل، والسبب الرئيسي هو السياسيات الأميركية المتعنتة التي تتجاهل إرادة الشعوب وتراثها، ‏وعدم الثقة بهم، والتخلي المستمر عن الحلفاء، وترجيح المصالح الأميركية على أي مصالح ‏أخرى”.‏

وأضاف أن “السبب الثاني هو تنامي قدرة وقوة منافسي أميركا في العالم، مثل روسيا والصين ‏وإيران، وثقة حلفائهم بهم، وهم مخلصون لهؤلاء الحلفاء دون أي افتراضات أو تدخل في قيم ‏الشعوب أو نسيجهم الاجتماعي”، مؤكداً أن “المنافسين لواشنطن أصبحوا أكثر قدرة وقوة على ‏التكيف”.‏

من جهة أخرى، وعن أي تطور مستقبلي في العلاقات بين نظام الأسد والولايات المتحدة، نقلت ‏‏”نيوزويك” عن مستشارة الأسد الإعلامية بثينة شعبان، قولها إنه “لا يمكننا التحدث عن أي نيات ‏جديدة حتى نرى الولايات المتحدة تسحب قواتها من سوريا”، معتبرة أن هناك دولاً أخرى “تقوم ‏ببناء الجسور مع نظام الأسد، ودولاً أخرى بقيت تدعمه طوال فترة الصراع، ما يوضح ‏الانخفاض العالمي في قوة الولايات المتحدة ونفوذها”.‏

وبحسب “نيوزويك”، فإن تصريحات بثينة شعبان تُسمع خارج سوريا الآن، حيث نقلت عن أحد ‏المراقبين السوريين الذين تابعوا حوادث الحرب السورية عن كثب، قوله إن “اندماج أعداء ‏الولايات المتحدة في سوريا يعني أن دولاً مثل روسيا وإيران والصين قد تسعى إلى منع ‏الإجراءات الأميركية في أماكن أخرى أيضاً”.‏

وتابع أن “الرسالة واضحة، يمكن هزيمة الولايات المتحدة، أو على الأقل إيقافها، كما هي الحال ‏في سوريا اليوم”، موضحاً أنه “من الآن فصاعداً، لن يدع أعداء الولايات المتحدة ما حدث في ‏العراق وليبيا يحدث مرة أخرى، فالولايات المتحدة ليست أضعف عسكرياً أو اقتصادياً، لكن ‏أعداءها يزدادون قوة، وكذلك إرادتهم للعمل معاً”.‏

ويعترف المراقب السوري، الذي لم تذكر “نيوزويك” اسمه، بالانتفاضة التي أطلقها السوريون ‏ضد نظام الأسد، لكنه يرى أن “الحملة لإنقاذ الأسد لها جذور محلية أيضاً”، معتبراً أن “الشعب ‏السوري هو الذي انتفض ضد الأسد، ولكن الشعب السوري هو الذي دافع عنه أيضاً”، في إشارة ‏إلى مؤيديه والميليشيات المسلحة الرديفة لجيشه.‏

‏ ‏و”مع اشتداد القتال والتصعيد العسكري، أتيحت الفرصة نفسها لإنذار أخير من الولايات المتحدة ‏لإسقاط الأسد بعد تمويل بسيط للفصائل المسلحة، حيث وضعت واشنطن خططاً محتملة لإسقاط ‏المطرقة على الأسد”، وفق ما أوردت “نيوزويك”.‏

وأوضحت أن الرئيس باراك أوباما “اشتهر بوضع الخط الأحمر بشأن استخدام الأسلحة ‏الكيميائية، حتى أنه طلب موافقة الكونغرس على تدخل الولايات المتحدة في سوريا، لكنه تراجع ‏وسط اتفاق دولي لنزع مخزن نظام الأسد من الأسلحة الكيميائية”.‏

وأضافت أنه “مع استمرار التقارير حول الانتهاكات ضد السوريين من قبل جميع الأطراف، ‏وابتلاع الجماعات المتشددة لجماعات الجيش السوري الحر المعتدلة، كانت واشنطن تدرك أن ‏المعارضة السورية محكوم عليها بالتدمير الذاتي”، مشيرة إلى أنه “في الوقت نفسه، رأى ‏البنتاغون بطلاً جديداً في قوات سوريا الديموقراطية، التي كانت تسعى دائماً إلى مزيد من الحكم ‏الذاتي والاستقلال عن نظام الأسد”.‏

‏ ‏كما ذكرت “نيوزويك” أنه في الوقت الذي غيّرت فيه واشنطن موقفها رسمياً نحو دعم “قوات ‏سوريا الديموقراطية”، كانت سماء سوريا غارقة في هدير طائرات سلاح الجو الروسي، كما ‏عملت روسيا مع الصين، منذ عام 2011، لضمان ألا يكون مصير الأسد كمصير القذافي، من ‏خلال استخدام حق النقض “الفيتو” ضد العمل الدولي في سوريا.‏

ونقلت عن رئيس المجلس التنفيذي في مجلس الشؤون الدولية الروسي يفغيني بوزينسكي، قوله ‏إن “الأسد كان في بعض وجهات النظر دكتاتوراً، وحشاً، لكنه كان حليفاً لروسيا”، مشيراً إلى ‏أنه عندما تدخلت روسيا عام 2015 “كان الأسد على وشك الانهيار، لكن روسيا أنقذته”.‏

وذكر بوزينسكي أن روسيا “تنسّق عن كثب مع طهران وحلفائها للحفاظ على صديق مشترك في ‏السلطة”، موضحاً “كان هناك تقسيم للعمل في وقت واحد، روسيا تعمل من السماء، تقصف ‏وتوجه ضربات صاروخية، وإيران تعمل على الأرض، بالتعاون مع جيش النظام”، مؤكداً أن ‏هذا النهج “أثبت أنه نموذج للتدخل الناجح لروسيا وشركائها”.‏ ‏

وتختم “نيوزويك” تقريرها بتصريحات للسفير السابق روبرت فورد، عن النهج الأميركي في ‏الحرب السورية، مشيرة إلى أن فورد “استقال من منصبه في وزارة الخارجية عام 2014 ‏محبطاً مما اعتبره نهجاً بطيئاً ومضللاً للحرب في سوريا”، لافتة الى أنه اليوم “كثيراً ما يناقش ‏أخطاء الولايات المتحدة، لكنه يؤكد أن واشنطن لم تكن أبداً في موقع أساسي لتوجيه مسار ‏الصراع في سوريا”.‏

وقال فورد: “من المؤكد أن مصداقيتنا تعرضت لضربة قوية، لكنني أعتقد أن ما نحتاج لتأكيده ‏أن واشنطن لم تتحكم في مسار الحوادث في سوريا، ولم ننفق الموارد لتغيير مسار الحوادث ‏هناك، وحتى لو قمنا بزيادة هذه الموارد، فلست متأكداً من أننا كنا سنخرج إلى حيث نريد”.‏

واعترف الدبلوماسي الأميركي بمحدودية التدخل الأميركي في سوريا، وأشار إلى أن هذا التدخل ‏‏”يقع بسهولة في نطاق نفوذ طهران وموسكو، أكثر من نطاق نفوذ واشنطن”.‏

أضاف “لقد انخرط الأميركيون في شيء أكبر بكثير مما كانت عليه الولايات المتحدة في الشرق ‏الأوسط، بمعنى أن الأمر انتهى بنا إلى أن نكون مجرد لاعب واحد بين لاعبين عديدين”.‏

كما أوضح أنه “عندما تكون لاعباً واحداً بين كثيرين، لن يسيطر لاعب واحد على سوريا، فلا ‏إيران وحدها تسيطر عليها، ولا روسيا، ولا تركيا، ولا حتى الأسد نفسه، إنها حقاً تفاعل معقد”.‏

واعتبر فورد أنه “في بعض الأحيان، من الأفضل للولايات المتحدة البقاء بعيداً من هذا المزيج ‏تماماً، لا سيما في البلدان التي يكون للمنافسين فيها اهتمام وتأثير، واستعداد أكبر لتطبيق كليهما”، ‏مؤكداً أن “الأميركيين بحاجة فعلاً إلى انتقاء معاركهم واختيارها بعناية”.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button