أول مهرجان سينمائي ضخم تدعمه الحكومة السعودية… تفرش سجادتها الحمراء

النشرة الدولية –

بعد نحو أربع سنوات على إعادة فتح دور السينما، فرشت السعودية، الاثنين الماضي، السجادة الحمراء في مدينة جدة الساحلية لمشاهير صناعة السينما المشاركين في أول مهرجان سينمائي ضخم تدعمه حكومة المملكة.

وخطت عشرات الفنانات السعوديات والعربيات والأجنبيات على السجادة الحمراء بفساتين سهرة بعضها مكشوف، في بلد كان يفرض ارتداء العباءة على النساء حتى بضع سنوات.

 

وأكّد مدير مهرجان البحر الأحمر السينمائي محمد التركي لوكالة فرانس برس “أنه يوم تاريخي في المملكة”.

وكتب الحساب الرسمي للمهرجان على تويتر: “أمواج التغيير قادمة”:

وكانت السعودية أعادت فتح دور السينما في أبريل 2018 بعد إغلاق استمر عقودا، في إطار سلسلة من الإصلاحات بدأت مع تسلّم ولي العهد الشاب محمد بن سلمان منصبه في 2017.

وتُنظّم الدورة الافتتاحية لمهرجان “البحر الأحمر السينمائي” في مدينة جدة الساحلية في غرب البلاد بين 6 و15 ديسمبر، وتشمل 138 فيلما طويلا وقصيرا من 67 بلدا بـ34 لغة.

وانطلقت الدورة غداة تنظيم أول سباق “فورمولا واحد” في المملكة، وهي فاعلية أخرى تسعى لإظهار صورة مختلفة للبلد الخليجي الذي عرف لعقود أنه محافظ للغاية.

وكتب الناقد محمد سلامة الذي زار جدة: “أجواء ساحرة ولا توصف. الجميع ليس لديه سوى كلمة: وأخيرا تحقق الحلم”:

السفير الفرنسي نشر صورة له في المهرجان:

المخرج عز الشلاحي كتب: “أمواج تأتي من بعيد لتشهد حركة البحر السينمائي الكبير”:

الممثل عبد المجيد الكناني توقع “مستقبلا عظيما”:

ومن بين الأعمال المشاركة في المهرجان، الفيلم الأردني “الحارة” للمخرج باسل غندور الذي أثار إعجاب النقاد، إضافة إلى أفلام غير عربية بينها “سيرانو” لجو رايت و”83″ عن فوز الهند بكأس العالم في الكريكت سنة 1983.

وقالت الفنانة السعودية إلهام علي لوكالة فرانس برس: “كانت موجودة السينما لكن كانت بشكل مصغر أكثر. هي أعمال محلية وسينما محلية حتى المهرجانات كانت تعتبر محلية مثل مهرجان الأفلام السعودية”.

وتابعت الفنانة الشابة التي ارتدت فستانا أحمر من فوق السجادة الحمراء: “لكن اليوم هذا المهرجان الدولي بهذا المستوى الأعلى يعتبر نقطة تحول ولازالنا نطمح للأكثر”.

وتسعى الرياض لبناء صناعة ترفيهية جديدة وتعزيز أذرع “قوتها الناعمة” في خضم حملة الانفتاح الأخيرة.

ويكرّم المهرجان أيضا المخرجة والمنتجة هيفاء المنصور، أول مخرجة سعودية، وقد نالت شهرة عن فيلم “وجدة” عام 2012، الذي كان أول عمل سينمائي طويل يتم تصويره في المملكة، ونال جوائز عالمية عدة. بعدها أخرجت المنصور أفلاما في هوليوود.

وقال الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن إن “التفكير في تنظيم مهرجان سينمائي في السعودية كان ضربا من ضروب الخيال قبل خمس سنوات فقط”.

وتابع متحدّثا لوكالة فرانس برس: “لكن الفكرة ليست مجرد وجود المهرجان، الفكرة هي تغيير الثقافة وأن يكون المجتمع مؤهلا للتعامل والتفاعل مع السينما كثقافة”.

ويأتي تنظيم المهرجان بعدما تضاعفت الأعمال السينمائية والتلفزيونية السعودية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبينها إنتاجات بموازنات ضخمة غالبا ما تسعى إلى إبراز صورة الانفتاح الاجتماعي الذي تعيشه المملكة المحافظة.

وسيكون المهرجان الذي من المفترض أن يشارك فيه ممثلون عالميون ومن المنطقة العربية، من بين الأكبر في الشرق الأوسط، ويأمل في أن يحل محل مهرجان دبي السينمائي في الخليج الذي توقّف تنظيمه قبل ثلاث سنوات.

“تحت الأرض”

وشملت الاصلاحات الاجتماعية في السعودية السماح للنساء بقيادة السيارات، وباتت الحفلات الغنائية مسموحة، فيما وُضع حدّ لحظر الاختلاط بين الرجال والنساء، وتقلّصت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واختفى المطاوعون من الشوارع، لكنّ هذه التغيرات ترافقت كذلك مع حملة قمع للمنتقدين والصحفيين والمعارضين، وخصوصا الناشطات الحقوقيات.

وبالنسبة للمخرج السعودي أحمد الملا، فإن تنظيم مهرجان للأفلام في السعودية قبل موجة الانفتاح كان “مغامرة صعبة”. ويدير الملا منذ 2008 “مهرجان أفلام السعودية”، وهو مهرجان مستقل للأفلام المحلية مركزه مدينة الدمام في المنطقة الشرقية.

وقال لوكالة فرانس برس: “قبل السماح بالسينما في 2018، كانت الصناعة تعمل تحت الأرض. لم يكن هناك إمكانية للتصوير أو الحصول على تمويل. الأمور كانت تعتمد على الطاقة الفردية”.

ولطالما اقتصرت صناعة السينما السعودية المحلية على محاولات مستقلة من دون دعم حكومي أو رسمي.

قوّة ناعمة”

وفي المملكة اليوم أكثر من 39 صالة سينما بعدد شاشات تجاوز 385 تشغّلها خمس شركات. ورغم الإنتاج السعودي الكبير، تحظى الأفلام المصرية والاجنبية بإقبال كبير في دور العرض. والأسبوع الماضي، أطلقت هيئة الأفلام السعودية استراتيجية لتطوير صناعة الأفلام السعودية تتضمن 19 مبادرة تهدف إلى إحداث حراك كبير في قطاع الأفلام بالمملكة، وتوفير بنية تحتية للإنتاج السينمائي وتمكين المواهب والقدرات السعودية.

وبحسب عبد الرحمن، وهو مسؤول إعلامي في مهرجان القاهرة السينمائي، الأهم على صعيد الشرق الأوسط، فإنّه “من المهم أن تنافس السينما السعودية محليا داخل السعودية”، مشيرا إلى أنّ “معظم الفاعليات الفنية في مهرجان الرياض مستوردة من دول أخرى”.

وتعاني صناعة السينما السعودية من نقص في الكوادر المحترفة وفرص التدريب وغياب الاستثمار المحلي والأجنبي، بحسب خبراء، وهو ما تحاول مبادرة هيئة الأفلام معالجته. ودخلت شركة “أم بي سي ستوديوز”، الذراع السينمائية لشبكة القنوات السعودية الشهيرة في الشرق الأوسط، على خط إنتاج أفلام سينمائية عالمية ناطقة باللغة الإنكليزية بميزانيات ضخمة.

وتصور “أم بي سي ستوديوز” فيلم “ديزرت واريور” الذي يحاكي ملحمة قديمة تدور أحداثها في شبه الجزيرة العربية في مدينة نيوم المستقبلية التي تبنيها المملكة في الشمال.

ويعد الفيلم أكبر إنتاج سينمائي يصور في السعودية على الإطلاق، كما ذكرت الشركة. ورأى الملا أن السينما تحتاج إلى “مستوى عال من حرية التعبير… ومن ظهور المرأة وحرية طرح الموضوعات المتنوعة والقبول بها”، معتبرا أنّ “السينما هي القوى الناعمة التي يمكن ان تمهّد لإنجاح التغييرات الاجتماعية والاقتصادية كافة التي تحدث حاليا” في المملكة.

زر الذهاب إلى الأعلى