النواب الشباب في البرلمان اللبناني: بائعو وهم؟
بقلم: حياة الحريري
النشرة الدولية –
في الانتخابات النيابية في العام ٢٠١٨، دخل الندوة البرلمانية وجوه شبابية للمرة الأولى. وعلى الرغم من انتماء هؤلاء لأحزاب تقليدية برز دورها في الحرب الأهلية وحكمت في مؤسسات دولة ما بعد اتفاق الطائف وصولا إلى اليوم، كان ثمة أمل أو ترقّب حول ما إذا كان هؤلاء سيعملون بذهنية تختلف ولو بهامش ضيّق عن تلك التي عرفها الشعب اللبناني وتمّ إسقاط أدبيّاتها الملتوية على الشباب تحديدا.
في العام ٢٠١٨، رفع النواب الشباب، وقد كانوا مرشّحين آنذاك، عدد من الشعارات لقضايا لم تحظ بقدر من الأهميّة في أحزابهم باستثناء الشعار الذي يتكرّر عند كلّ استحقاق ألا وهو تأمين فرص عمل للشباب اللبناني. واعتمد المرشّحون بشكل أساسيّ وإن بنسبة حضور ونشاط متفاوتين على وسائل التواصل الاجتماعي للإضاءة على جولاتهم في المناطق وبين الوفود كجزء من الدعاية الانتخابية. كان يمكن لهؤلاء أن يستثمروا جولاتهم الانتخابية الشعبية وإطلالاتهم الإعلامية للتركيز على برامجهم الانتخابية وعرضها وتفصيلها ومناقشتها مع المؤيدين كما مع الذين لا يحتسبون ضمن دائرتهم الشعبية. هذا الاعتقاد تعزّزه فرضية الخلفية العلمية لهؤلاء لا سيّما أن معظمهم أكملوا دراستهم في الخارج وأنهم بلا شكّ يتأثرون بنمط الحياة الديموقراطية أو يتطلّعون إليها أكثر من آبائهم وأجدادهم الذين شربوا السياسة في الخنادق ومعارك الحروب الأهلية أكثر منها في المؤسسات. إلا أنه في جولة أوليّة على تصريحات ومقابلاتهم الإعلامية، يتبيّن أنهم فشلوا في اتباع منهجية عمل تختلف عن التسويق السياسيّ التقليديّ في لبنان. مرّت البرامج الانتخابية من خلال عناوين عامة ضمن الخطابات السياسية بالإضافة إلى النائبين زياد حواط وسيزار معلوف لموعد لاحق.، وانتخب الناس بناء على الإرث والانتماء المناطقيّ والزعامات وليس على الخطط والمشاريع. بالطبع، لا يمكن أن نحمّل هؤلاء الشباب مسؤولية مطلقة في ظلّ وجود قوانين انتخابية تجعل من اختزال مشقّة المنافسة على البرامج مهمّة سهلة، فربما لو كان القانون الانتخابيّ يقوم على النسبية لوجدنا على وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي نقاشات في الأفكار أكثر من تغطيات تلبية المناسبات الاجتماعية.
انتهت الانتخابات، ودخل عدد من الوجوه الشبابية إلى المجلس النيابي ومنهم للمرة الأولى لا سيما الأصغر سنّا منهم مثل سامي فتفت (مواليد ١٩٨٩)، طوني فرنجية (مواليد ١٩٨٧)، طارق المرعبي (مواليد ١٩٨٥)، تيمور جنبلاط (مواليد ١٩٨٢) وسليم الخوري (مواليد ١٩٨٠). ويتبعهم من حيث صغر السنّ ودخول الندوة البرلمانية لأول مرة النائب سيزار المعلوف (مواليد ١٩٧٨)، النائب المستقيل الياس حنكش (مواليد١٩٧٧)، النائب زياد حواط (مواليد ١٩٧٧)، النائب المستقيلة بولا يعقوبيان (مواليد ١٩٧٦)، إدي معلوف (مواليد ١٩٧٢)، وفيصل كرامي (مواليد ١٩٧١).
كان من المتوقّع أن يعمل هؤلاء الشباب على تركيز خطاباتهم وإطلالاتهم الإعلامية وحواراتهم على مصطلح كدنا أن ننسى وجوده في الحياة السياسية اللبنانية، وهو التشريع أو مشاريع القوانين، وأن يساهموا، كون معظمهم يعتبرون قدوة أو تمثيل لطموحات جماهيرهم خاصة الشباب منهم، بتغيير ولو نسبيا في رفع مستوى النقاشات الإعلامية وخاصة بين مناصريهم من خلال تغريداتهم على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
لم يتغيّر النمط المتّبع في الأداء السياسي الإعلامي لهؤلاء النواب الشباب بعد دخول الندوة البرلمانية باستثناء عرض لصور “سيلفي” لهم ولزملائهم في جلسات المجلس النيابي القليلة، وفي اجتماعات اللجان التي يتوزّعون فيها. فلا طروحات لمشاريع قوانين ولا نقاشات حول الخطط المقترحة إن وجدت. ومع دخول لبنان أزمة تشكيل الحكومة الأولى برئاسة سعد الحريري، تحوّلت منصاتهم لمنابر لإطلاق المواقف السياسية وتحديدا تحميل الخصوم مسؤولية التعطيل. توالت المشاكل السياسية، وتكاثرت بدورها هيمنة الخطاب السياسي على صفحات النواب وفي تصريحاتهم الإعلامية أكان في تقاذف المسؤولية حول فشل المجلس النيابي والحكومات المتعاقبة، أم في الفساد المالي والسياسي والإداريّ والقضائيّ، أم في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية ، وبدل أن يعمد النواب إلى تقديم مشاريع حلول أو بالحدّ الأدنى إجابات للرأي العام في ما يخص انهيار الدولة الذي تتحمّل أحزابهم المسؤولية الأكبر فيها كونها في المجالس النيابية منذ ١٩٩٠ وبعد ٢٠٠٥ وهم أنفسهم أعضاء في لجان تتحمّل بشكل أساسيّ ما وصلت إليه البلاد على المستوى المالي والسياسي. فلا خطة ولا شرح ولا اعتراف بالمسؤولية، بل تبادل اتهامات حول المسؤولية والسؤال الدائم عن غياب الدولة، فيما هم يشكّلون بأحزابهم الدولة! فعلى من ينتقدون غياب الدولة؟ ماذا فعلوا هم في اللجان وفي المجلس النيابيّ؟ ما هي المشاريع التي حاولوا طرحها ولماذا تعطلت؟ وهل يملكون جرأة الاعتذار أوالاعتراف بالفشل؟
في محاولة للحصول على إجابات حول عمل النواب، تكاد تخلو صفحات هؤلاء وتصريحاتهم الإعلامية عن المشاريع التي طرحتها الوعود الانتخابية. إلا أنه، ومع اقتراب الاستحقاق النيابيّ المرتقب في العام ٢٠٢٢، صرّح عدد منهم مؤخرا عن مساهماتهم في وضع وإقرار عدد من القوانين في المجلس النيابي. غير أن الملفت أنّ المتابع يكاد لا يلحظ التطرّق بشكل تفصيليّ وعلى الإعلام لهذه المشاريع باستثناء بعض الصور على وسائل التواصل الاجتماعي ومقالات متفرّقة لصحافيين في مناسبات خاصة. فعلى سبيل المثال، صرّح النائب طوني فرنجية في معرض حديثه عن مشروعه الأخير حول أزمة الكهرباء أنه تقدّم بعدد من مشاريع القوانين تتعلّق بقضايا اقتصادية. في المقابل، لا يوجد لأي منها على وسائل التواصل الاجتماعي أو في المقابلات التلفزيونية والصحفية باستثناء المشروع الأخير المقدّم، وإطلالات خجولة. وفي البحث والتدقيق، يتداول مؤيّدون لفرنجية وعبر موقع “المرده” الالكترونيّ أن الأخير نظّم منذ أشهر عدة لقاء إعلاميا لعرض مشاريع القوانين التي تقدّم بها وعمل عليها، غير أنه لا يوجد أي خبر صحفيّ لمضمون هذه المشاريع ليتبيّن لاحقا أن اللقاء لم يكن إعلاميا بل أشبه بجلسة لبعض الأصدقاء والمناصرين. هنا، لا يمكن محاسبة فرنجية على هذا الأداء الإعلامي وحده، بل يتحمّل الإعلام المسؤولية الأكبر في تعمّده الدائم لتغييب مناقشة ومساءلة النواب حول عملهم والتركيز على العناوين السياسية من خلال إفساح المجال في أن يتحوّل الإعلام إلى منابر للصراع السياسيّ. أمّا القسم الأكبر من تغريدات وتصريحات فرنجية فهي للمواقف السياسية وتحديدا في تحميل العهد والتيار الوطني الحرّ مسؤولية الأزمة التي يعيشها لبنان.
في إطلالة إعلامية وحيدة له قبل الانتخابات النيابية، صرّح النائب تيمور جنبلاط أن برنامجه هو “خدمة الناس”. بعيدا عن الأخبار الإعلامية حول اللقاءات الشعبية التي كان ينظّمها، تكاد تخلو صفحات حنبلاط من أي معلومة حول نشاطه النيابيّ ومشاريع القوانين التي شارك بها باستثناء خبر توقيعه على “اقتراح قانون ضمان شيخوخة العمال والأجراء” في العام ٢٠١٩ وتغريدة تدعو لإقرار قانون تزويج القاصرات. فإطلالاته كما نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعيّ يرتبطان بشكل خاص بإطلاق المواقف السياسية في قضايا محددة لا سيّما مهاجمة “السلطة المسؤولة عن الانهيار”.
من جهته، كان النائب طارق المرعبي قد صرّح في حملته الانتخابية عن إصراره على إيلاء قضايا الشباب وتأمين فرص عمل لهم أولية في برنامجه الانتخابي الذي لم ينشر على الإعلام، بل يمكن الحصول على بضع نقاط منه تمّ ذكرها في اللقاءات الشعبية. لا تتضمّن الأخبار المنقولة عن مواقع إخبارية أي إشارات لمشاريع قوانين تقدّم بها، بل تتركّز جميعها حول اللقاءات الشعبية والمواقف السياسية التي تتنوّع بين مهاجمة العهد والتيار الوطني الحرّ وبين دعم رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. وفي ما يخصّ القضايا الاجتماعية والبيئية والاقتصادية وغيرها، فهي تحضر في تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعيّ على شكل مناشدة ودعوات للمسؤولين في الدولة لوقف الانهيار باستثناء خبر إقرار “تمويل الأوتوستراد العربيّ” في مجلس النواب في العام وتوقيعه على قانون مكافحة الهدر الغذائيفي العام ٢٠١٩.
بدوره، وعد النائب سامي فتفت في إحدى إطلالاته الإعلامية إعطاء قضية الشباب وتأمين فرص العمل لهم أهمية، كما أعلن في معرض دعايته الانتخابية عن ضرورة الاهتمام بتطوير قطاع الزراعة وتأهيل البنى التحتية في منطقتي الضنية وعكار. وفي مراجعة إعلامية سريعة لمتابعة أي جديد حول هذه العناوين التي طرحها فتفت، نجد في جعبته الإلكترونية خبرا صحافيا عن إعلان مشروع قانون للإسكان، وآخر عن هبة لتوسيع وتطوير مرفأ طرابلس، وعن قانون تمّ تقديمه في ٥/١٠/٢٠٢١ لتخفيض سنّ الاقتراع دون أي متابعة أو تفصيل. أما القسم الأكبر من التغريدات والتصريحات الإعلامية فهي في الردّ والهجوم على رئيس الجمهورية، العهد، التيار الوطني الحرّ والنائب جميل السيد.
لا يختلف أداء النائبين سليم خوري وإدي معلوف عن زملائهما. تكاد تتحوّل منصات النائب إدي معلوف لمنابر سياسية شرسة في الردّ على منتقدي العهد وتحديدا في الردّ على القوات اللبنانية وبعض النواب الآخرين. قبل انتخابه، أشار معلوف لدى السؤال عن مشروعه الانتخابي في إحدى المقابلات الصحافية أنه “لن يكبّر الحجر والشعارات” بل سيعمل جاهدا لمساعدة الناس قدر الإمكان على الصعيد الصحي والاجتماعي والبيئي. هذه العناوين تحضر في تغريدات خاصة له دون الخوض في التفاصيل أو في تقديم أي معلومة لمتابعة المشاريع الإنمائية التي أعلن عن العمل عليها مرارا. أما النائب سليم الخوري، فلا شكّ أنه أقلّ حدّة من زميله في مواقفه السياسية الطاغية والتي تنتقد الفساد في لبنان وتدعو لضرورة الإصلاح.
أما النائب فيصل كرامي، فعدا عن إعلانه مواكبته لمشروع تطوير مرفأ طرابلس، لا يوجد أي مواكبة أو تغطية إعلامية حول أي مشروع تنمويّ له باستثناء خبر تأمين الزفت على أوتوستراد طرابلس منذ أشهر عدة.
بالطبع، لا يمكن تحميل المسؤولية لنواب جدد في ولاية نيابية عرفت الكثير من العراقيل الداخلية وهي من صنع ومساهمة أحزابهم، بالإضافة إلى واقع جائحة كورونا التي عطّلت العالم. ولكن، يسلّط هذا المقال الضوء على أداء النواب الشباب تجاه الرأي العام اللبناني، بحيث باتت وسائل التواصل الاجتماعي تشكّل اليوم الوسيلة الأولى في العالم في العمل السياسي حتى أنها لعبت أدوارا في تبديل المزاج الشعبي الانتخابي في الانتخابات الرئاسية الأميركية على سبيل المثال لا الحصر. أما إذا كنا أمام جردة حساب قبيل الانتخابات النيابية إن حصلت، فالسؤال حول ما فعل هؤلاء الذين قدّموا أنفسهم على أنهم صوت الشباب اللبناني الطموح الذي يبحث عن الفرص والذي يتوق لخطاب ولأداء سياسيّ خارج عباءة أحزابهم التقليدية ولو صوريّا حقّا مشروعا. النواب الشباب في البرلمان : بائعو وهم؟ الإجابة عن هذا السؤال يترك للرأي العام بحيث ستقوم “دياليكتيك” بدور المساءلة الإعلامية للنواب الشباب والتي ستنشر تباعا على الموقع الالكترونيّ.
ملاحظة: يستثني هذا المقال النواب المستقلين. بالإضافة إلى النائبين زياد حواط وسيزار معلوف لموعد لاحق.
***********************
محاضرة جامعية في الإعلام
باحثة دكتوراه في التاريخ والعلاقات الدولية
المؤسسة والمديرة التنفيذية ل “دياليكتيك”