أنا فيلا.. وأنت شقة
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

ليس هناك أكثر سخافة، أو ربما أكثر حقارة، من الذي يبتسر جملة من مقال أو تغريدة أو حديث، ويترك الباقي، عمداً، بغية إثارة العامة وتأليبهم على الكاتب أو المغرد، لأغراض خبيثة في نفسه، كما فعل محامٍ عليه شبهات، وغيره من المغردين، الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة النص كاملاً قبل الحكم على قائله أو كاتبه!

فمعارضتي لفكرة توزيع «فيلا» لكل مواطن، لم تنطلق من منطلق الحسد، كما أحب هؤلاء أن يشيعوا، ولا لرغبة دفينة في منع الغير من التمتع «بخيرات الدولة»، ولا بسبب عداوتي «للفقراء»، كما روج هؤلاء المرضى وأشاعوا، ولكن طالبت بذلك لمصلحتهم ومصلحة أبنائهم وأحفادهم، ومصلحة الدولة ككل، في المدى البعيد، ولكن قومي لا يعلمون.

طالبت في أكثر من مقال، وهذا ما تعمد الخبثاء تجاهله، الاتجاه للسكن العمودي، الأكثر رقياً والأقل تكلفة والأسهل إدارة وحاجة للخدم! فبناء مواقف ومجارٍ وكهرباء وماء وبقية الخدمات لأربعين فيلا مثلاً يزيد بأضعاف على إيصالها لعمارة واحدة! كما أن مواقف السيارات في أي حي سكني أصبحت كابوساً، وعدد الخدم في منطقة سكنية واحدة يزيد على عدد من يسكنون بيوتها من المواطنين، ولا أخلي نفسي من المسؤولية، وغير ذلك من أمور الصيانة والتنظيف وغيرها.

***

الإصرار على تملك فيلا لم يأتِ من فراغ، بل بسبب التقاعس الحكومي عن توفير البدائل الجميلة. فمشروع سكني رائع مثل «حصة المبارك» يمكن أن تبني الحكومة العشرات مثله في الأراضي الأميرية الملاصقة لعدد من المناطق السكنية. ويمكن أن تكون له إطلالات جميلة على البحر أو الحدائق العامة في الصليبخات والدوحة وغيرها، بدلاً من فلل في صحراء المطلاع القاحلة والبعيدة عن العمران. والمؤسف أن فكرة السكن العمودي قُتلت مع التجربة البائسة في مشروع الصوابر.

تخيل شقة بمساحة 300 أو 400 متر في مجمع يحتوي على الخدمات التالية، التي لا يمكن أن تتوافر بسهولة في أي مشروع سكني آخر، وتكون كل خدماته بإدارة ساكني المجمع، إضافة للسوبر ماركت، وصالونات الحلاقة، والمخبز والتنظيف، ومكتب أمن صغير، وبقية الخدمات من ممشى مغطى وبرك سباحة، ونادٍ رياضي، وملاعب تنس واسكواش، وحديقة جميلة، وتكون الإدارة، وحتى الملكية العامة، بيد الملاك أو السكان، وعليهم تقع مجتمعين مسؤولية أمن المجمع وصيانته.

مثل هذا المشروع يمكن أن يسهم في انصهار مكونات المجتمع بعضها مع بعض، بعكس نظام الفيلا الذي يدفع السكان إلى الانعزال.

كما أن عامل الأمان، الذي يزداد أهمية يوماً عن يوم، يتوافر في نظام المجمعات أكثر من توافره في نظام الفلل.

كما يمكن تنظيم العلاقة بين سكان المجمع بطريقة حضارية، من خلال اتفاقية ملزمة للجميع، ومسجلة لدى كاتب العدل، تتضمن غرامات مالية على المخالفين وتُدفع لحساب جمعية الملاك.

أما أن نقول إن لدينا أراضي شاسعة وأموالاً طائلة، فلمَ لا يكون لكل مواطن فيلا؟ فهو قول يفتقد للحكمة، ولا يعرف قائله تبعاته المجتمعية الخطيرة وتكلفته المالية المهولة.

***

ملاحظة: ذكر عبدالباري عطوان في لقاء له أن صدام حسين طلب من المحامي عبدالودود، وقبل ساعات من إعدامه، الاتصال به ليقول له بالحرف: أمة بها مثل عبدالباري لن تهزم!

يبدو أن الاستشهاد بالموتي، على غير الحقيقة، أصبح موضة العصر!

لهذا العطوان، كما لمشابهيه، ملايين المتابعين!

زر الذهاب إلى الأعلى