المصارف والتعميم 161: عملية بهلوانية لإذلال اللبنانيين

النشرة الدولية –

المدن – عزة الحاج حسن –

نجح تحالف السلطة السياسية والمنظومة المصرفية، وفي مقدمها مصرف لبنان، في إلهاء اللبنانيين بعملية بهلوانية، تقضي بتحويل رواتبهم من الليرة الى الدولار، لا تنتج لهم سوى حفنة من الليرات قد لا تغطي تكلفة انتقالهم من مناطقهم إلى فروع المصارف، أو عناء الانتظار في طوابير على أبوابها. كما لا تعفي أي من المودعين والموظفين أو العسكريين والمتقاعدين من ضريبة الإذلال في سبيل الاستحصال على بعض الدولارات.

هو التعميم 161 الجديد، الذي أطلق يد المصارف لتتسلط من جديد على ما تبقى من ودائع، وترهن آلاف الموظفين والعاملين في القطاع العام، في سبيل ضخ الدولار في السوق لتنفيع تجار السوق السوداء، ومنهم المصارف والصرافين وتجار الشنطة.

التعميم 161 لا يبدو أنه سيحقق مبتغاه. فالمصارف تعمل على تطبيقه باستنسابية مقيتة، وبضوابط وتعقيدات لا تخلو من إذلال متعمّد للعملاء. أما مصرف لبنان فيتعمّد استخدام موظفي القطاع العام والعسكريين كوسيلة لتمرير الدولارات من خزينته إلى السوق عبر المصارف. ويعمل جاهداً على حرمانهم من أي مكتسبات جراء الاستفادة من التعميم 161، من خلال تقليص قيمة الليرات التي قد يحصلون عليها من عملية تحويل الرواتب إلى الدولار.

“صيرفة” تسلب الموظفين والعسكر

رسّخ بيان منصة صيرفة Sayrafa مساء أمس الخميس، الشكوك بأن مصرف لبنان، وبتوجيه من حاكمه رياض سلامة، يستهدف حرمان العاملين بالقطاع العام من الاستفادة من التعميم 161، خصوصاً أن سعر صرف الدولار على منصة صيرفة ارتفع يوم أمس بغير اتجاه السوق السوداء ليبلغ 24000 ليرة للدولار الواحد. وهو أمر لا مبرر له، في حين تراجع سعر صرف الدولار في اليوم نفسه إلى 26750 ليرة. فكيف يمكن لسعر منصة صيرفة أن يرتفع فيما سعر صرف الدولار في السوق السوداء انخفض؟ الجواب يظهر من خلال احتساب قيمة الليرات التي سيتقاضاها موظفو القطاع العام والعسكريون عند تطبيق التعميم 161.

وإذا أخذنا مثالاُ راتب جندي في الجيش اللبناني يبلغ مليوناً و500 ألف ليرة، تبلغ قيمة استفادته من الدولارات 50 دولاراً فقط والباقي بالليرة اللبنانية. وللحصول على 50 دولاراً وفق سعر صيرفة (24000 ليرة للدولار) سيسدد 1200000 ليرة من راتبه، ويتقاضى الباقي أي 300 ألف ليرة نقداً. وعند صرف الـ50 دولاراً لدى صرافي السوق السوداء وفق سعر الصرف السائد (لا يزيد عن 26750 ليرة) تكون الحصيلة 1337000 ليرة، وبذلك يكون الموظف قد كسب 137 ألف ليرة فقط زيادة على راتبه. ومن المرجح أن يتضاءل هذا الرقم أكثر كلما ارتفع سعر صرف دولار صيرفة أو انخفض سعر صرف دولار السوق السوداء.

“بطش” المصارف

رمى مصرف لبنان طابة تطبيق التعميم 161 في ملعب المصارف. وهي صاحبة الخبرة الطويلة في استنزاف حقوق العملاء، إن مودعين أو موظفين. فكل مصرف تعامل مع مسألة تحويل رواتب الموظفين من الليرة إلى الدولار على هواه. والذرائع جاهزة أكثرها شرعية، باعتبار أنها مغطاة من مصرف لبنان. كأن يتذرع المصرف بأن الكوتا الخاصة به من الدولارات والمحددة من قبل مصرف لبنان انتهت، وهو ما استذكره بنك عودة Audi Bank في رسالة عمّمها على عملائه، أعلمهم فيها أنه أصبح بإمكانهم سحب مبلغ نقدي بالدولار من حساباتهم بالليرة على سعر منصة صيرفة، حسب سقف السحب النقدي المحدد لكل عميل، ذلك “ضمن الأوراق النقدية المقررة من مصرف لبنان لبنك عودة”.

غالبية المصارف حدّدت لعملائها قيمة الاستفادة من التعميم 161 بما لا يتجاوز 50 دولاراً فقط، وباقي الراتب يتم الحصول عليه بالليرة اللبنانية، ومن تلك المصارف بنك سوسييتيه جنرال SGBL، وبنك بيبلوس، وبنك عودة، وبنك لبنان والمهجر Blom Bank، وبنك الموارد. ولم تقتصر عملية تحويل جزء من الراتب إلى 50 دولاراً فقط على الرواتب الصغيرة. لا بل تعدتها إلى الرواتب الكبيرة التي تفوق قيمتها مليونين و500 ألف ليرة، أي أكثر من 100 دولار وفق سعر منصة صيرفة. أما بنك بيروت Bank of Beirut فحسم أمره ولم يقبل تحويل راتب موظف أو فرد من جهاز أمني من الليرة إلى الدولار، في حال كان يقل عما يساوي 100 دولار.

أما المصارف التي تحاول إيجاد مخارج للعاملين بالقطاع العام والعسكريين للاستفادة من تحويل كامل رواتبهم من الليرة إلى الدولار فهي قلة. ومنها بنك الاعتماد اللبناني الذي طلب من أحد العملاء وراتبه مليون و500 ألف ليرة على سبيل المثال، أن يُحضر معه 700 ألف ليرة ليصبح المبلغ مليونين و200 ألف ليرة. وبموجبه يتقاضى العميل 100 دولار بدلاً من 50 دولاراً، طبعاً مع الأخذ بالاعتبار أن سعر منصة صيرفة تغير من 22000 ليرة إلى 24000 ليرة.

ذل الموظفين

“يتفننون في إذلالنا ونهبنا، ولا يجب علينا الاستسلام والوقوف في الطوابير. لا بل علينا تركيز جهودنا على استعادة قيمة رواتبنا”. هذا ما يقوله أحد الضباط في الجيش اللبناني، والـ20 دولاراً لا تستحق كل هذه الإهانات للحصول عليها، على ما يقول الضابط.

عنصر أمني آخر يقول “لا يستحق الراتب الوقوف لساعات في البرد. فالراتب يخرج من المصرف محسوماً منه قرض الإسكان والتعاضد والتأمين وعمولات المصرف والرسوم، وما يبقى منه لا يساوي 50 دولاراً “فهل هذا هو ما عملنا وتعبنا لأجله؟”، يسأل العنصر.

وبدلاً من إيجاد حلول مستدامة طويلة الأمد لتدني القيمة الشرائية للرواتب والمعاشات التقاعدية، يلجأ مصرف لبنان إلى ضخ الدولارات في السوق لشراء مزيد من الوقت، مستخدماً رواتب الموظفين والعسكريين لتمرير الدولارات إلى السوق السوداء، ولا يستفيد موظفو القطاع العام والعسكريون من زيادات تذكر على الراتب. فالزيادة تكاد لا تكفي مئات الموظفين للانتقال من مناطق سكنهم في شمال البقاع، على سبيل المثال، إلى أقرب مصرف عليهم جغرافياً في مدينة بعلبك. إذ تبلغ تكلفة النقل أكثر من 50 ألف ليرة، في حين أن مردود الاستفادة من التعميم 161 لا تزيد عن 136 ألف ليرة للرواتب المتوسطة والصغيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى