في وادي السيليكون.. شركات التشفير الناشئة تصنع جيلا من أصحاب المليارات
دايسوكي واكاباياشي ومايك آيزك
عندما تركت ساندي كارتر وظيفتها نائبة لرئيس وحدة الحوسبة السحابية في أمازون هذا الشهر، أعلنت في منشور على “لينكد إن” أنها ستنضم إلى شركة لتكنولوجيا التشفير، وأرفقت في رسالتها رابطا للمناصب المفتوحة في تلك الشركة الناشئة.
وقالت إنه في غضون يومين، قام أكثر من 350 شخصا -كثير منهم يأتي من كبرى شركات الإنترنت- بالنقر على الرابط للتقدم بطلب للحصول على وظائف في شركة “أنستوبابل دومين” (Unstoppable Domains). وهذه الشركة الناشئة تبيع عناوين مواقع الويب التي تقع على البلوكتشين، الذي هو نظام الدفترة المتناثر الذي تبنى عليه العملات المشفرة.
وقالت كارتر “إن هذه هي العاصفة الكاملة”، وأضافت “إن الزخم الذي نراه في هذا المجال لا يصدق”.
إن كارتر تمثل جزءا من موجة من المديرين التنفيذيين والمهندسين الذين يتركون وظائف وثيرة في غوغل وأمازون وآبل وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبيرة -التي يدفع بعضها ملايين الدولارات مرتبات سنوية- لمطاردة ما يعتبرونه فرصة لا مثيل لها تأتي مرة واحدة في العمر. وقالوا إن أهم موجة تالية هي التشفير، وهي تسمية عامة تشمل العملات الرقمية مثل البتكوين (Bitcoin)، وتشمل منتجات مثل “إن إف تي” (NFTs)، أو ما يسمى بالرموز غير القابلة للاستبدال التي تعتمد على تكنولوجيا البلوكتشين.
إن وادي السيليكون الآن مليء بروايات عن أشخاص يستخدمون استثمارات مشفرة تبدو لأول وهلة سخيفة -مثل الدوغ كوين (Dogecoin)، وهي عملة رقمية تعتمد على صور عليها تعليقات لصور كلاب- للتحول إلى ثراء يغير حياتهم. فقد ارتفعت قيمة البتكوين حوالي 60% هذا العام، في حين زادت قيمة الإيثر (Ether) -وهي العملة المشفرة المرتبطة بالبلوكتشين المسمى إثيريم (Ethereum)- بأكثر من 5 أضعاف.
ولكن بعيدا عن هَوَس المضاربة هذا، نجد أن مجموعة متنامية من أفضل وألمع خبراء صناعة التكنولوجيا يرون الآن لحظة تحول تأتي مرة واحدة فقط كل بضعة عقود، وهذه اللحظة تكافئ الذين يكتشفون ذلك التحول الزلزالي قبل بقية العالم. فمع فترة التشفير، نجدهم يرون أوجه تشابه تاريخية تماثل فترة بدء الحاسب الشخصي وبدء الإنترنت والتي كانت محط سخرية أول الأمر ثم تحولت لقلب الوضع الراهن رأسا على عقب، بل صك جيل جديد من أصحاب المليارات.
والمستثمرون يتدفقون أيضا، فقد ضخوا أكثر من 28 مليار دولار في الشركات الناشئة العالمية للتشفير والبلوكتشين هذا العام، أي 4 أضعاف الإجمالي في عام 2020، وفقا لشركة بيتش بوك (PitchBook)، وهي شركة تتابع الاستثمارات الخاصة. وقد ذهب أكثر من 3 مليارات دولار إلى شركات “إن إف تي”، أو الرموز غير القابلة للاستبدال وحدها.
وقال سريدار راماسوامي المدير التنفيذي السابق في غوغل والرئيس التنفيذي لشركة محرك البحث الناشئة “نيفا ” (Neeva) إن “هناك صوتا جذابا لعملاق قادم من ناحية التشفير”.
وأضاف راماسوامي الذي يتنافس مع شركات التشفير على جذب المواهب: “يبدو الأمر أشبه بفترة التسعينيات أثناء ولادة الإنترنت من جديد. إنه أمر مبكر جدا وفوضوي مثلها، بيد أنه مليء بالفرص تماما مثل ذلك الوقت”.
غير أن المتشككين يقولون إن التشفير -الذي أعيدت تسميته بشكل ألطف على أنه “الويب الثالث”- قد لا يختلف عن فقاعات المضاربة السابقة، مثل الرهون العقارية الثانوية أو مثل ما كان يسمى بفترة جنون المضاربة على أزهار التوليب الهولندية في القرن السابع عشر. ويقول المتشككون أيضا إن الكثير من هذا الهوس مدفوع بالرغبة في الثراء السريع من خلال تداول فئة من الأصول كانت غالبا ما تبدو مبنية على “نكات الإنترنت”.
لكن الجيوش المتزايدة من المؤمنين بالتشفير، قالوا إنه يمكن أن يغير العالم حقا من خلال إنشاء إنترنت أكثر لامركزية، لا تسيطر عليه مجرد حفنة من الشركات. وعلى الرغم من أن مثل هذه الاحتمالات قائمة فعلا منذ ظهور البتكوين عام 2009، فإن منتجات التشفير مثل “إن إف تي” لم تتحول إلى أمر اعتيادي إلا في هذا العام، وقد أدى ذلك إلى تسريع هجرة الموظفين من شركات التكنولوجيا الكبيرة إلى عالم التشفير.
ففي هذا الشهر، ترك بريان روبرتس المدير المالي لشركة التوصيل “ليفت” (Lyft) وظيفته، للانضمام إلى “أوبن سي” (open sea)، وهي شركة ناشئة رائجة للتشفير. وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني “لقد رأيت ما يكفي من الدورات والتحولات الجوهرية لأكون مدركا عندما يكون هناك شيء بهذا الحجم آخذ في الظهور”، وأضاف: “نحن الآن في يوم الميلاد الأول للرموز غير القابلة للاستبدال وتأثيرها”.
لقد أضحت جاذبية التشفير لا تقاوم لدرجة أن بعض كبرى شركات التكنولوجيا تتدافع للاحتفاظ بالموظفين. ففي غوغل، ازدادت المخاوف بشأن القدرة على الحفاظ على الموظفين -بما في ذلك عدم خسارتهم لصالح شركات التشفير- لدرجة أن القضية أصبحت جزءا من جدول الأعمال التنفيذي الذي يناقشه كل يوم اثنين الرئيس التنفيذي للشركة سوندار بيتشاي مع كبار نوابه، حسبما قال أشخاص على دراية بالمناقشات.
وقالت هذه المصادر كذلك إن شركة غوغل بدأت في منح أسهم إضافية للموظفين في أجزاء من الشركة بدت ناضجة للحصول على الفوائد، غير أن غوغل رفضت التعليق.
وعلى عكس شركة ميتا (Meta) التي احتضنت التشفير، كانت غوغل مترددة في القفز على تلك الموجة، لكن موظفي غوغل عاينوا فرص التشفير بأم أعينهم عندما غادر سوروجيت تشاترجي -نائب الرئيس- الشركة العام الماضي، ليصبح كبير مسؤولي المنتجات في كوينبيس (Coinbase) التي تعدّ واحدة من أكبر بورصات العملات الرقمية.
وعندما تم طرح كوينبيس للاكتتاب العام في أبريل/نيسان، ارتفعت قيمة أسهم شاترجي في الشركة إلى أكثر من 600 مليون دولار، بعد أن عمل هناك لمدة 14 شهرا فقط.
ولقد خلقت هذه الكميات الهائلة من ثروة التشفير الخوف من فقدان الفرصة، أو ما يعرف اختصارا بالإنجليزية بعقدة “فومو” (FOMO) عند الكثير من التقنيين، خاصة الذين اشترى أصدقاؤهم بتكوين منذ عدة سنوات وأصبحوا الآن أثرياء بشكل كبير.
وقال إيفان تشنغ المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة ميستن لاب (Mysten Labs)، وهي شركة ناشئة تركز على بناء مشاريع البنية التحتية لسلسلة البلوكتشين: “في عام 2017 أو نحو ذلك، دخل الناس في الغالب في هذا الأمر للحصول على فرصة للاستثمار”، وأضاف: “أما الآن فهؤلاء الناس يريدون فعلا بناء شيء ما”.
نيويورك تايمز