مصيدة «راس العين»!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

على مدى عدة أيام سيطرت زيارة الرئيس محمود عباس لوزير جيش الاحتلال بيني غانتس في منزل الأخير في بلدة «روش هعاين» (راس العين) على الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي وإلى حد كبير على بعض الإعلام العربي وذلك لأنها أول زيارة من هذا النوع لعباس لداخل دولة الاحتلال منذ عام 2009، وثانيا لأنها زيارة كسر فيها الرئيس الفلسطيني البروتوكول وزار بصفته رئيسا للسلطة الفلسطينية ودولة فلسطين وزيرا في حكومة «إسرائيل» وثالثا هو التوقيت الذي جاء في ظل تصعيد يمارس فيه الاحتلال وقطعان المستوطنين الاعتداءات المنظمة على الفلسطينيين في القدس وبرقة وجنين ومخيمها بالإضافة إلى رام الله ومحيطها، ولهذه الأسباب مجتمعة تحولت الزيارة إلى «احجية سياسية» تجاذبتها العديد من الأطراف، وأخذ كل طرف يحللها ويفسرها على هواه، إلا أن النتائج التي أسفرت عنها محادثات عباس – غانتس وحسب الإعلام الإسرائيلي تؤشر إلى أن المباحثات انصبت على القضايا الأمنية والحياتية للفسطينيين بالدرجة الأولى ولم يتم الاتفاق على استئناف مباحثات السلام.

وفي تعبير آخر يمكن القول إن هذه الزيارة هي بداية مفاوضات وتفاهمات مهمة وحساسة ستؤسس لما يسمى «بالسلام الاقتصادي» القائم على معادلة «الأمن لإسرائيل مقابل الرخاء الاقتصادي للفلسطينيين»، وهي معادلة وإن قبلتها القيادة الفلسطينية ففي الأغلب لن يقبلها الفلسطينيون أنفسهم الذين يعانون من الممارسات الممنهجة للجيش ولقطعان المستوطنين والتي تهدف إلى تعقيد حياتهم اليومية وتدميرها وإخضاعهم لنوع جديد من «العبودية» مغطى نسبيا «بظروف عيش طبيعية، ومصطلح السلام الاقتصادي استخدمه في السابق وزير خارجية الرئيس أوباما جون كيري، كما عاد لاستخدامه ووضعه في صلب خطته للسلام في الشرق الأوسط جيراد كوشنير صهر الرئيس ترمب والذي علق عليه «روبرت ساتلون» المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للدراسات في مقال نقدي مطول على موقع المعهد في العاشر من مايو عام 2019 تحت عنوان (خطة جاريد كوشنر للسلام قد تكون كارثية) وخلاصة المقال وبالنص (اقتراح سيخسر فيه الجميع في كل الأحوال).

سواء أبدى خبراء أميركيون تشاؤمهم من هذا النوع من السلام أو غيرهم فما هو مؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يعاني من الجوع ولا همه لقمة العيش على أهميتها، فقد أثبتت الأحداث التاريخية المتلاحقة أن جوعه للحرية يزداد يوما بعد يوم، وأن استعداده للتضحية من أجل هذه الحرية يزداد شراسة، وبالعودة إلى التاريخ أيضا يجب ألا يغيب عن ذهننا نظرية موشي دايان «الاندماج الاقتصادي» التي اقترحها على مجلس الوزراء المصغر بعد عدوان 1967، والتي كان الهدف منها هو تحويل الاحتلال إلى «احتلال ناعم» يُبعد الفلسطينيين عن ما يسمى بأعمال العنف أو الإرهاب وقد نجحت هذه الخطة على مدى عقد السبعينيات إلى منتصف الثمانينات ثم تفجرت الانتفاضة بعدها في عام 1987 وعمليا لم تتوقف، وثبت أن «الحرية لا تباع ولا تشترى».

التجاوب الإسرائيلي تجاه المطالب الفلسطينية سواء أكان بزيادة بطاقات (VIP) أو بطاقات (BMC) الخاصة برجال الأعمال أو الاتفاق على المسودة النهائية لصفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل و”حماس» المُختلف عليها وتحديدا بشأن الإفراج عن مروان البرغوثي وأحمد سعدات ومدى تاثير الإفراج عنهما على وضع السلطة، يبقى اجتماع «راس العين» مصيدة تُكبل السلطة وقادتها وتحرمهم حتى من حقهم باتهام الاحتلال بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والسؤال هنا هل كان اللقاء ضروريا أصلا، ولماذا؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى