زيارة جديدة للمشهد في لبنان…. والسَّعدُ يَرْحل- لبنان بلا حريرية
بقلم: الدكتور سمير محمد ايوب
النشرة الدولية –
بعد ربع قرن من المناورات في ملاعب السياسة اللبنانية، سعد الحريري يقررحزينا، الإذعان لمتطلبات وتبعات التهديد الجسدي الشخصي الذي تعرض له من الخارج، بالتواطئ مع بعض المتآمرين من أهل بيته، فيُجْبَر في مؤتمر صحفي مُقتضب، على دفع ثمن رفضه الانصياع لأخذ لبنان الى حرب أهليه ، يرفع الأبيض من الرايات، ويعلن انسحابه من الملاعب. الضجة التي احدثها الانسحاب متقاطعة وكثيرة الأصداء. تفرض نفسها بقوة على مجمل المشاهد اللبنانية والاقليمية.
الانسحاب ذاك، سواء كان اعتزالا ام تعليقا، لم يكن بالكامل مفاجئا. اسبابه معروفة ومقتضياته والرسائل التي يحملها. وليس معزولا عن نقاشات وخيارات صهيوامريكية وخليجية متوافقة. بل يجزم البعض، بأن ورقة الإذعان التي حملها مؤخرا وزير الخارجية الكويتي للسلطات اللبنانية، قد جاءت بايعاز صهيو امريكي ونكهة سعودية.
حدوتة سعد كرئيس لوزراء لبنان، مع بعض السلطات السعودية، التي غدرت به وطعنته في الصدر علانية، ممتدة الى ما قبل اعتقاله واحتجازه بالقوة المادية هناك، وهو ضيف عليها، وإجبارة على الاستقالة من منصبه كرئيس منتخب لوزراء لبنان. في حينها كان قد تقررإزاحته من المشهد العام، وشطب الحريرية السياسية، من البدائل السعودية في لبنان لقيادة الطائفة السنية هناك. ولكن لماذا الانقضاض على الارث الحريري وطعنه في الصدر الان، بعد ان كان بالتواطئ والكيد الخفي مع بعض الاحصنة اللبنانية الرخيصة كجعجع، في الظهر ؟!
في اطار التحليل الاقرب للمعلومة، فان اسبابه الداخلية والخارجية كثيرة متصلة بمؤشرات داخليه ذات امتدادات خارجية، تشي بأن لبنان مقبل على تغيير وتحولات كبرى، لا بد أن تكون مسبوقة بمقدمات تصعيدية على الارض. والظاهر ان سعد الحريري لا يريد ان يكون في هذه المواجهة، فاختار التواري، بانتظار تبلور الصورة الاقليمية، وما تحمله من تطورات وتحولات كبرى، والتي لا بد لها من ان تنعكس على الداخل اللبناني. ولكن كيف سيحدث هذا الانعكاس ومتى سيحدث، لا احد يعرف على وجه الدقة. وإن كان من المتفق عليه، ان لبنان لا يمكن فصله عن تلك السياقات الاقليمية.
بعيدا عن بازارات الفعل وضجيج ردود الفعل، فإن لبنان مقبل على مرحلة متمددة من الصدام، والتداعيات الخالقة لشخصيات ستطل عبر اجنحة وسطية جديدة، بديلة للحريرية والحُصيَّة والسَّلاميَّة والوزَّانيَّة والكرامية والصُّلحية، تشارك في تجديد التوازن لقواعد اللعب المذهبي النخبوي في البلد. ففي لبنان، لا يمكن عزل طائفة ما عزلا تاما من المشهد العام للسياسة ، بقدر ما هو ممكن اضعاف التمظهر العلني لخياراتها في المشاهد المؤثرة. فأرحام الطوائف والمذاهب الشعبية والنخبوية هناك جاهزة دائما، وإن بتفاوت كمي ونوعي، لتوليد منظومات نخبوية تعيد انتاج وتشغيل مشاريع سياسية، يمكن التلاعب بمنظوماتها وخلافاتها.
أما ورقة الاذعان الصهيو الامريكية، فهي محاولة بائسة للتلاعب بمصير اللبنانيين، لن تأخذهم الا الى حرب اهلية. فهي ورقة تحاول تعرية لبنان من القوة المادية الوحيدة الحامية له، وهي جبهة المقاومة والممانعة، التي تقيم توازن الرعب مع الجار الجنوبي للبنان، الضبع الصهيوني المتربص، الذي لو لم يكن هناك مقاومين وطنيين، لابتلع لبنان بغضون ايام، ولاصبح لبنان محمية مثل بعض الدول الخليجية المتهافتة.
السياق الاقليمي والدولي لازمة الحريرية في لبنان، مرتبط بما ستنتهجه امريكا بقادم الايام، وبسملة ضروراته المتصاعدة، هو نزع العباءة السنية عن حزب الله، تمهيدا لمقاربة الصيغة اللبنانية كلها، عبر فتح ملفات الحدود البرية والبحرية والسلاح، تمهيدا لتقويض قوة حزب الله كما يمنون انفسهم.
قواعد اللعب الداخلي الزمت في السابق سعد الحريري، بالحوار مع حزب الله، فدفع ثمن رفضه الانصياع لاخذ لبنان لحرب اهلية، يعلم منظمو الفخ الذي حمله الناقل الكويتي انه ولد ميتا حكما، لاستحالة تطبيقه، سيوف المعيشة والبنك الدولي والمخدرات والحدود والتهريب والفساد، اوراق ضغط ومحطات في اطار برنامج دولي اقليمي اكبر، يسعى عبر صغار اللاعبين المحليين، لايقاع الفتنة الدامية بين الشارعين السني والشيعي في لبنان.
ولكن، في ظل تعدد القوى المحلية والاقليمية الفاعلة في لبنان، فإن حزب الله هو الذي يتمتع بالكثير من اوراق القوة المنظمة، القادرة على منع تقويضه، بل وعلى فرض مسارات لتحقيق شروطه في المرحلة المقبلة، وفي تمديد الحقبة السياسية الشيعية برعاية سورية – ايرانية، في اعقاب ما سبق من حقب المارونية السياسية برعاية فرنسا – امريكا، والسنية السياسية برعاية سعودية – مصرية – سورية.
المسالة ابعد من السعودية ، والضباع الصهيوامريكية لا امان لها.