هل تستأهل استعادة الاتحاد السوفياتي حربا عالمية؟
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
من حق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التطلّع الى إعادة الحياة إلى الاتحاد السوفياتي. من حقه الطموح الى ذلك والى ابعد من ذلك، لو كان في الاتحاد السوفياتي ما يستحقّ الحياة، ولو كان لديه نموذج روسي صالح للتصدير يمكن ان تستفيد منه الدول الأخرى في العالم، خصوصا تلك التي في محيط بلده او بعيد منها. الاهمّ من ذلك كلّه، هل تستأهل استعادة الاتحاد السوفياتي حربا جديدة في أوروبا يمكن ان تتحوّل حربا عالمية؟
ليس الاعتراف الروسي بجمهوريتين مستقلتين في اوكرانيا هما لوغانسك ودونيتسك ومباشرة غزو اوكرانيا سوى تأكيد لمدى جدّية بوتين في مجال السير في مشروعه الفاشل سلفا. من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع سؤال نفسه، هل الدول التي كانت تحت الهيمنة السوفياتيّة في وضع افضل الآن ام لا؟
معظم الدول التي كانت تحت الهيمنة السوفياتية، خصوصا الدول الاوروبيّة في وضع أفضل الآن. المانيا الشرقيّة لم تعد موجودة. المانيا توحّدت وهي تعيش في ظلّ واقع جديد ابعد ما يكون عن ذلك الذي يريده بوتين.
ليس ما يدعو الى ايراد امثلة أخرى عن دول تحرّرت فعلا من النظام الذي فرضه الاتحاد السوفياتي معتمدا نظريّة “السياسة المحدودة” التي تذرّع بها ليونيد بريجنيف لتبرير قمع الدبابات السوفياتية لـ”ربيع براغ” في العام 1968…
لا شكّ ان فلاديمير بوتين رجل حاذق ويعرف جيّدا استغلال الفرص بعد قراءة في العمق للتطورات الدوليّة. قرأ جيّدا التفكّك الأوروبي. يكفي ما تعاني منه فرنسا في ظلّ ايمانويل ماكرون الذي لم يصدّق ان بلده لم يعد يمتلك ايّ عظمة من ايّ نوع. يتصرّف ايمانويل ماكرون، الذي يرجّح أن يعود رئيسا بعد نحو شهرين، كأنّ فرنسا ما زالت في عزّها غير مدرك انّها فقدت حتّى أيّ تأثير أو نفوذ في بلد مثل لبنان!
يكفي أيضا ما تعاني منه بريطانيا، حيث رئيس للوزراء يدعى بوريس جونسون، لا يمت بايّ صلة لشخصيات مثل ونستون تشرشل او مارغريت تاتشر. يكفي ان المانيا في مرحلة انتقاليّة في غياب انجيلا ميركل. لكنّ القراءة الجيّدة لبوتين كانت تلك المتعلّقة بإدارة جو بايدن وشخص جو بايدن نفسه الذي يتبيّن انّه مستعد لتقديم كلّ التنازلات المطلوبة منه من اجل تفادي أي مواجهة من ايّ نوع مع ايّ طرف كان، بما في ذلك “الجمهوريّة الاسلاميّة” في إيران.
لن يتمكّن الغرب، بزعامة اميركا، من التصدي لفلاديمير بوتين في أوكرانيا. الرجل مندفع ويؤمن بانّ في استطاعته استعادة موقع الاتحاد السوفياتي في هذا العالم، غير مدرك انّ ثمّة معطيات اساسيّة تغيرت وأخرى لم تتغيّر. ما تغيّر هو ضعف اميركا وصعود الصين التي باتت قوّة اقتصادية يستحيل تجاهلها. ما لم يتغيّر انّ روسيا لم تستطع في يوم من الايّام تحقيق أي نجاح خارج حدودها. أكثر من ذلك، لم يدرك بوتين انّ الصواريخ والسلاح النووي شيء، فيما تطوير الاقتصاد الروسي ورفع مستوى عيش المواطنين شيء آخر.
لا حاجة الى التذكير مرّة أخرى انّ حجم الاقتصاد الروسي اقلّ من حجم الاقتصاد الإيطالي، على الرغم من كلّ الثروات الطبيعية التي تتمتع بها روسيا، من نفط وغاز!
يبقى الشرق الاوسط الدليل الاهمّ على عجز روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، عن تقديم أي شيء إيجابي للمنطقة. في الإمكان العودة، من اجل اثبات ذلك، إلى تجربة مصر وإلى حرب 1967. لم يقدم الاتحاد السوفياتي على ايّ خطوة من اجل تجنيب حلفائه العرب فخّ السقوط في تلك الحرب. فعل النظام البعثي السوري وقتذاك كلّ ما يستطيع لتوريط جمال عبدالناصر، الضابط الريفي الذي لم يكن يمتلك ايّ ثقافة سياسيّة او عسكريّة، في حرب خاسرة سلفا. لو بقي أنور السادات اسير سياسة الاتحاد السوفياتي، لما استعاد سيناء يوما ولكان مصيرها كمصير الجولان الذي لم يسع حافظ الأسد او خليفته بشّار الى استعادته يوما من إسرائيل.
لم يتغيّر شيء منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتولّي فلاديمير بوتين الرئاسة. كلّ ما فعله الكرملين في السنوات القليلة الماضيّة هو المشاركة في الحرب التي يشنّها النظام الاقلّوي في سوريا على شعبه. كيف يمكن لبلد مثل روسيا تجاهل ان النظام السوري مرفوض من شعبه… ام ان لا همّ لديه بما سيحل بسوريا ما دام صارت له قاعدة ثابتة على البحر المتوسّط. تفتتت سوريا. اين مصلحة روسيا في تفتيت مثل هذا البلد؟
نجح الاتحاد السوفياتي في الماضي في وضع يده على اليمن الجنوبي للذي استقلّ في العام 1967. وجد لنفسه موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة. استثمر في نظام لا مستقبل له. كانت النتيجة القضاء على أي امل في استعادة عدن مجدها في يوم من الايّام. لم تكن الوحدة اليمنيّة التي قامت في العام 1990 سوى نتيجة سيطرة الاتحاد السوفياتي على اليمن الجنوبي واقامته نظاما غير قابل للحياة فيه. أمّا ما حلّ باليمن وبالوحدة اليمنيّة بعد ذلك، فهو موضوع حديث آخر مرتبط بأحداث من نوع مختلف تماما لا علاقة لروسيا به.
سيربح فلاديمير بوتين في أوكرانيا. سيربح بالنقاط او عبر حروب صغيرة في الداخل الاوكراني. يعود ذلك الى انّ الأطراف التي تقف في وجهه ضعيفة، خصوصا انّها لا تستطيع مواجهته عسكريا.
لكن السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا ام آجلا، ما الذي سيفعله الرئيس الروسي بانتصاره، او على الاصحّ، كيف سيستثمر في هذا الانتصار العسكري. هل يكفي التوصّل الى تسوية تحول دون ضم أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي (ناتو) كي تستعيد أوروبا هدوءها وتطمئن الإدارة الاميركيّة الى ان عليها الاكتفاء بالانصراف الى صفقة ما مع إيران تؤمن لها ما تحتاجه من مال لمتابعة مشروعها التوسّعي في المنطقة؟
يمكن للانتصار الاوكراني فتح شهيّة بوتين في اتجاهات أخرى داخل أوروبا وخارجها، ولكن هل لديه ما يصدّره لمحيطه القريب والبعيد غير القمع والانتصار على شعوب مثل الشعب السوري؟