لا أحد سيعترف في هذه البلاد
بقلم: ماهر أبو طير

النشرة الدولية –

لن نتهم وزارة الخارجية، لأن الاتهام سهل، فيما التفاصيل تؤشر إلى قضية معقدة الأوجه، كان لا بد ان يتم اتخاذ قرار بها على مستوى يتجاوز وزارة الخارجية بكثير هذه المرة، كونها ازمة مركبة.

كتبت سابقا، وكتب غيري عن ضرورة إجلاء الأردنيين من اوكرانيا قبل بدء الحرب، وهم بالآلاف، خصوصا، ان لا طيران أردنيا بين عمان وكييف، وكنا ما نزال في وقت مبكر، ما تزال فيه المطارات مفتوحة، لكن لا احد يسمع في عمان، وحذرنا ايضا من مشاكل حجوزات السفر على اي طيران بديل، او ترانزيت لأن اجانب آخرين سوف يزاحمون على هذه الحجوزات للفرار من اوكرانيا.

الصحافة هنا تحذر، ليس تهويشا على احد، او للنيل من كرامة احد، رسميا كان ام شعبيا، لكننا نلمس ان الشعار السائد هو فليكتبوا ما يريدون، ولنفعل ما نريد في هذه الديار الطيبة بإرثها وتاريخها، فما بالكم حين لا يتوفر من يحاسب المقصر، على تقصيره المريع، ايضا.

تم التحذير ايضا على مستوى قبولات الطلبة في الأردن، وقيل لا بد من تصور مسبق لعودة الطلبة وقبولهم في الجامعات الأردنية، غير أن إعلانا محددا لم يصدر، والكل ينتظر، فيما منعت الجامعات الاوكرانية غياب الطلبة، فخاف الطلبة الأردنيون على مقاعدهم ولم يغادروا اوكرانيا، ولو سنحت لهم فرصة او امل لإكمال تعليمهم في الأردن، لحصلوا على شهادات بما انجزوه ولعادوا الى الأردن، قبل ان تقع الحرب، وتغلق المطارات، فيعلقون اليوم في الملاجئ وتحت الأرض.

هذه أسوأ إدارة لأزمة، وهي أزمة كما قلت بداية لا تتعلق بوزارة الخارجية التي حاولت توفير دبلوماسيين على المعابر البرية بين اوكرانيا ودول ثانية لتسهيل مرور الأردنيين، وساهمت بدخول مئات فقط، من أصل الآلاف الذين ينتظرون مصيرهم الآن في بلد يحترق أمام العالم، فهي ازمة تتحمل مسؤوليتها اطراف عدة، وتعبر عن غياب القدرة على تقييم مآلات الازمة ووضع الحلول.

كان الاصل اولا تنظيم عملية اخلاء جوي بشكل طارئ، وثانيا اصدار تعميم يسهل على الأردنيين من الطلبة عودتهم وقبولهم بشكل استثنائي في جامعات الأردن، واعتماد ما قطعوه من مواد دراسية، ولو توفرت مثل هذه الصيغة مبكرا، لعادت الغالبية، لكننا بقينا نماطل، فيما خافوا في اغلبيتهم من المغادرة وخسارة جامعاتهم، او اعمالهم، خصوصا، مع عدم توفر اي خطة اخلاء منظمة عبر طيران أردني او أجنبي عارض، في هذه الظروف، التي يمر بها ذلك البلد، واهله، وكل العرب والاجانب فيه، حين لا تفرق القذائف بين العسكري والمدني، والاوكراني والاجنبي.

اذا أردنا توظيف هذه القصة لصيد الحكومة، او تصيد اخطاء سوء الادارة، فسوف نعبر لحظتها عن انتهازية، وهذا ليس همنا ولا هدفنا، وكل ما يهمنا هو إنقاذ الأردنيين بأي طريقة بعد ان علقوا تحت القصف، او في الملاجئ، وأقبية القطارات، او حتى في طوابير السيارات عند المعابر البرية، بعد تعطل القطارات، وهكذا نتفرج على الأردنيين وسط الازمة، دون ان يخرج احد ليتحمل المسؤولية، ويعترف بالبطء والتكاسل في ادارة الازمة، وضعف رد الفعل، وترك الامر للتساهيل.

الآن الحلول شبه صعبة، والأردنيون يعانون بشدة، مثلهم مثل غيرهم في تلك البلاد، فلا تسأل الله إلا السلامة لهم، وتسأل أيضا عمن يتحمل مسؤولية هكذا ادارة تجاه جزء من شعبنا واهلنا.

لا أحد سوف يعترف بمسؤوليته، وكأن الكل ولدوا بلا ألسنة، يتحدثون بها، وآذان يسمعون بها، وعيون يبصرون بها الازمات، وعقول تستبصر المستقبل، وتسبقه بالحلول.

زر الذهاب إلى الأعلى