ضعضعة الغرب صنعت قوّة بوتين!
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

لم يتوقف الرئيس الأميركي جو بايدن، منذ اكتشفت المخابرات الغربية، خطة نظيره الروسي فلاديمير بوتين الخاصة  بغزو أوكرانيا، عن إنهاء كلماته وخطاباته،بهذا الشعار الأخّاذ: “الحرية سوف تنتصر على الطغيان”.

بطبيعة الحال، هو ينسب قيمة الحرية إلى دولته وحلفائها، ًولعنة الطغيان إلى فلادمير بوتين ومؤيّديه، ولكنّه،وهنا مكمن المعضلة، يترك فعل “الانتصار” رهناً  بالمستقبل.

من يدقّق في الخطوات الدبلوماسية والعقابية المتلاحقة التي تتخّذها واشنطن وحلفاؤها ضد موسكو، لا يمكنه أن يشكّك بجدية الرئيس بايدن، وهو يكرّر شعاره، ولكن من يعدْ إلى تجارب العقود القليلة السابقة لا يمكنه أن يجزم بأنّ المستقبل سيكون على موعد حتمي مع انتصار الحرية على الطغيان.

وقد تكون الخلاصات التي انتهى إليها بوتين من تعامله المباشر أو غير المباشر مع هذه التجارب هي التي شجّعته على تجاوز كل التحذيرات والتهديدات، إنْ هو أمر جيشه الجرّار  بتجاوز الحدود الروسية-الاوكرانية.

ولم يكن فلاديمير بوتين يحتاج ألى أن يكون عبقرياً في علم الاستراتيجيا ليكتشف نقاط الضعف الأميركية والغربية والأوروبية ومدى تشتّت مصالح هذه الدول وتضارب خططها، ممّا يجعلها تندّد كثيراً وتتحرك قليلاً، وتساوم في ما بينها على الخطوات التي سوف تقدم عليها، قبل أن يفوت زمن تنفيذها.

آخر ما راقبه فلاديمير بوتين لم يكن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان الذي نال من سمعة واشنطن العسكرية والسياسية والدبلوماسية حتى بين الدول الأكثر التصاقاً بها، ولا التضارب الدبلوماسي الذي جعل باريس في مواجهة واشنطن ولندن في موضوع إلغاء صفقة الغواصات الأسترالية، ولا جذب بلاده لعدد من دول الاتحاد الأوروبي إلى فلكه، كالمجر، مثلاً، ولا رفض عدد من الدول الاوروبية توسيع مهام “حلف شمال الاطلسي” ليكون جزءاً من أيّ مواجهة ممكنة في “بحر الصين”.

لا، كل ذلك وغيره، لم يكن بالنسبة لبوتين سوى تأكيد للخلاصات التي استخرجها منذ وصوله الى السلطة، بدءاً بسحق الشيشان، مروراً بحرب الأيّام الخمسة “الظافرة”  في جورجيا وضمّ القرم ودعم “متمرّدي” إقليم دونباس الأوكراني، وصولاً إلى سوريا التي عزّز ذهابه العسكري إليها نفوذه في الشرق الأوسط وأوجد مسرحاً لتدريب حيّ لجنوده وتجربة خططه العسكرية وأسلحته الجديدة، على حساب المدن المدمّرة والشعب المذبوح ومصالح حلفاء الولايات المتحدة الاميركية.

لم يتوقف الغرب، منذ بدأ فلادمير بوتين يعتلي الدبّابة، عن التهديد بالعقوبات التي “لا تبقي ولا تذر”، ولكنّه طالما اكتفى بتدابير لا تقدّم ولا تؤخّر، الأمر الذي جعل بوتين الثابت في مناصبه يسخر من هؤلاء الذين جلس ينتظرهم على حافة نهر صناديق الاقتراع ومبدأ تداول السلطة.

إنّ شعار الرئيس جو بايدن، حتى هذا اليوم، لم يظهر إلّا عكسه، فطالما هزم الطغيان الحرية، ليس لأنّ الحرية كانت ضعيفة، بل لأنّها كانت تائهة ومنقسمة ومتضاربة وخائفة، في مواجهة طغيان متراص ومدرك أهدافه الخبيثة.

نظرة سريعة الى الإنفاق العسكري تظهر ذلك: ميزانية روسيا العسكرية تصل إلى اثنين وستين مليار دولار أميركي، في حين إنّ ميزانية الولايات المتحدة الاميركية هي سبعمئة وإثنان وسبعون مليار دولار أميركي وميزانية الاتحاد الاوروبي ثلاثمائة وثمانية وسبعين مليار دولار اميركي.

إنّ الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها، حتى الآن، في المسألة الأوكرانية، توحي بأنّ الخلاصات التي كان قد توصّل إليها بوتين اقتنع بها القادة الذين أعلنوا عداءهم لهم، وقرّروا أن يتصرّفوا على أساسها ويصحّحوا أخطاءهم التاريخية المتراكمة.

صحيح أنّ الغرب، في ما يقدم عليه من خطوات،  لا ينوي الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا، ولكنّ الصحيح أيضاً أنّه لن يسمح لفلاديمير بوتين أن ينتصر في اوكرانيا، حتى لو أنجز اجتياحها، عسكرياً.

وقد بدأ قادة عدد من الدول الاوروبية يهيّئون الرأي العام في بلادهم لتضحيات ممكنة، على خلفية المواجهة التي قرّروا فتحها ضد القيادة الروسية وداعميها، وهذا يعني أنّ القرار المتخّذ،حتى تاريخه، لا يلحظ دعم مقاومة اوكرانية شرسة للاحتلال الروسي وللسلطة الموالية له التي يحلم بإقامتها، فحسب بل يهدف إلى رفع وتيرة العقوبات ضد موسكو وطبقتها الحاكمة والقوى المستفيدة منها الى مستويات مؤلمة للغاية، أيضاً.

إنّ الخطة الغربية إذا ما جرى التدقيق بها، فهي، لأوّل مرّة، تأخذ، في عين الاعتبار، وجوب الذهاب إلى الحد الأقصى من الضغط لزعزعة استقرار سلطة بوتين نفسه.

“الحرية سوف تنتصر على الطغيان” شعار لا يمكن أن يكون واقعياً، إذا تحوّل، غداً، إلى “الحرية مضطرّة إلى التعايش مع الطغيان”: السوريون والعراقيون واليمنيون والإيرانيون واللبنانيون والفنزويليون والجورجيون والأوكرانيون وغيرهم الكثيرون شهود على ذلك.

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى