المدفعية السادسة!
بقلم: أحمد ذيبان الربيع

النشرة الدولية –

يوم  21 آذار عام 1968 كنا صغارا ، صحونا على صوت ضجيج طائرات حربية ، تحلق في سماء منطقة  الأغوار الوسطى ،الممتدة من ديرعلا الى الشونة الجنوبية  ، كانت طائرات العدو تقصف مواقع عسكرية للجيش العربي  وقواعد الفدائيين الفلسطينيين ، وترمي منشورات كتبت باللغة العربية  موقعة باسم ما يسمونه”جيش الدفاع الاسرائيلي” !  تطالب كل من يمتلك قطعة سلاح ،أن  يضعها على  قارعة الطريق !

منزلنا يبعد بضعة كيلومترات عن نهر الاردن “الشريعة”، وكان  والدي المرحوم ذيبان الربيع  قد  حفر ملجأ  بجوار المنزل، للوقاية من القصف العشوائي  لمدفعية العدو  بعد  حرب حزيران  ، وكانت والدتي رحمها الله يضع في الملجأ بعض الأغذية ، حيث  كانت  فصائل المقاومة الفلسطينية “الفدائيين” ، تنفذ عمليات عبر الشريعة ضد مواقع العدو في الضفة الغربية المحتلة .

كان والدي يملك سلاحا خفيفا  مسدس  “نمرة 8″ رفض القائه ، وطلب منا الخروج من المنزل والدخول الى الملجأ وبعضنا انبطح  بين  الخضروات ، كنا نسمع صوت مدفع  ثقيل  يقصف حشود العدو من منطقة عيرا ويرقا الواقعة على مرتفعات البلقاء غرب مدينة السلط ، عرف فيما بعد  ب”المدفعية السادسة” التي اكتسبت شهرة واسعة، ولعبت دورا أساسيا في تدمير حشود العدو، وفي لحظة حماسية رفع والدي المسدس باتجاه طائرة ميراج للعدو كانت تنفذ غارة على قاعدة للفدائيين في بلدة معدي ،  هو زعم – رحمه الله – أنه أصابها  وأنها سقطت في الضفة الغربية .. والله أعلم   !

استمرت المعركة نحو 15 ساعة  كان ميدانها الرئيسي بلدة الكرامة ، تلاحم فيها الجيش العربي مع فصائل المقاومة الفلسطينية ، وهزم العدو  في المعركة وسحب قواته ، وكانت معركة الكرامة  أول رد عربي يرفع المعنويات ، بعد هزيمة الجيوش  العربية في 5 حزيران  1967 .. وأعقبتها حرب تشرين الاول – اكتوبر عام 1973 ، لكن في العقود التي  أعقبت ذلك  مرت مياه غزيرة تحت الجسور، محملة  بالانكسارات والهزائم السياسية ، الى أن وصلنا هذه الايام الى قاع الوادي   !

تحية إكبار  لكل الجنود والضباط  في الجيش العربي والمقاتلين الفلسطينيين، الذين لا يزالون على قيد الحياة ، هؤلاء الذين واجهوا العدو   وكسروا شوكته وسط حالة إحباط  عربي شامل ،والمجد والخلود  لشهداء معركة الكرامة وجميع الشهداء العرب الذين  ضحوا بأرواحهم في مواجهة الاعداء الصهاينة في فلسطين   ،ومختلف الجبهات العربية عبر التاريخ الحديث    ..

قد تكون صورة ‏خريطة‏

زر الذهاب إلى الأعلى