حرب لا أحد يعرف نهايتها
بقلم: طوني فرنسيس

موسكو تلوح بالنووي في يونيو والغرب يعتبر بوتين لاعب بوكر ممتازاً

النشرة الدولية –

قبل 72 يوماً، بدأت روسيا عمليتها “الخاصة” في أوكرانيا. لم يكن الهدف مخفياً. فوصف العملية بـ”الخاصة” لم يمنع الإفصاح عن الأهداف “العامة” الأوسع بكثير والطموحة إلى حد ضم أوكرانيا إلى النظام الروسي الأمني. وتمثلت تلك الأهداف في حل الجيش الأوكراني وتغيير الحكومة واجتثاث النازية التي باتت بحسب روسيا نظاماً سياسياً في كييف، ثم فرض شروط على أوكرانيا عنوانها الكف عن التفكير في الانضمام إلى حلف الأطلسي وإعادة النظر في موضوع الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي، والتحول في أحسن الحالات إلى بيلاروس أخرى، إن لم يكُن إحدى الجمهوريات ذات الحكم الذاتي في إطار الاتحاد الروسي.

استمرت روسيا في نفيها عزم الهجوم على جارتها حتى اللحظة الأخيرة، وواظبت على اتهام معلومات بثتها أميركا وبريطانيا بالاستفزاز، وعندما أعلن الغرب أن الهجوم الروسي سيبدأ بعد ألعاب بكين الشتوية، قابلته موسكو بالاستغراب، وإذ مرّ تاريخ 16 فبراير (شباط) الذي أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن موعداً لبدء العمليات الروسية، كتب معلقون مقربون من الكرملين يقولون إن الرئيس الروسي “لم يستجِب لبايدن”.

طالت الحرب بما لم يكن يتوقعه بوتين وحلّت آثارها الزلزالية في العالم. كان الجيش الروسي يعتقد أنه سيحتل كييف خلال أيام، فيسقط النظام ويتم استبداله، وقالت تحليلات روسية “متسامحة” إن القوات الروسية قد تترك المناطق الغربية وعاصمتها لفيف لتتحوّل إلى مركز تجمع لـ”النازيين القوميين” على غرار إدلب السورية. وبلغت ثقة موسكو بقدراتها حد امتناعها عن تدمير السكك الحديدية والجسور الأوكرانية، واكتشفت متأخرة ضرورة قصفها بعد أن صمد الأوكرانيون وباتت تلك السكك طريق إمداد لهم بالأسلحة والذخائر من دول الغرب و”الناتو”.

اكتشفت موسكو أن ما كانت تقوله عن خوضها صراعاً ضد أميركا والغرب بات حقيقة ملموسة. وتلقّت بألم الأنباء عن تحويل دبابات وأنظمة دفاع جوي صنعتها بنفسها أيام الاتحاد السوفياتي في ألمانيا وبولونيا وتشيكيا وسلوفاكيا إلى أوكرانيا لمواجهة قواتها، ودُهِشت من ردود الفعل في الدول “السوفياتية” السابقة على حدودها من البلطيق إلى بلغاريا، ومن إعلان دول محايدة تقليدياً انخراطها في دعم كييف مثل سويسرا، أو رغبتها  بالانضمام إلى حلف الأطلسي كالسويد وفنلندا.

باتت موسكو على يقين من أن الحرب بينها وبين الغرب، وأن القرار قد اتُّخذ في لندن وواشنطن بأن “لا تنتهي هذه الحرب إلا بعد تحقيق فوز حاسم وشامل على روسيا”. كان محللون روس كتبوا باكراً أن التركيز الأميركي على الصين عملية مخادعة، فالهدف يبقى روسيا، وقدّم الغرب طوال سنوات صورةً متفككة أسهم في تكريسها بوتين نفسه من جهة وسياسة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب من أخرى، وعندما حان موعد “العملية الخاصة” في أوكرانيا، بدت الظروف الدولية مؤاتية لروسيا، فـ”الناتو” في “موت سريري” على قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعلاقات بين ضفتي الأطلسي ليست على ما يرام، وأميركا كانت قد أنجزت للتو انسحابها وهزيمتها في أفغانستان، وأوروبا في حالة ارتهان للغاز والنفط الروسيين.

لكن الصورة سرعان ما تغيرت، وأسهمت المقاومة الأوكرانية والاستخفاف الروسي بقدرات الأوكرانيين الذين يستعدون للمواجهة منذ عام 2014، في عرقلة الهجوم على كييف، ثم انكفاء المعارك الأساسية إلى الشرق، ما أتاح وقتاً كافياً لاستعادة الغرب وحدته وقراره في مواجهة روسيا إلى حد صدور مواقف تطال مستقبل بوتين نفسه على لسان بايدن والخارجية البريطانية، ثم على لسان مدير الاستخبارات الأوكرانية كيريلو بودانوف الذي ذهب إلى القول إن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب هو في “مقتل بوتين” وأن الرئيس الروسي “لا يمكن أن يبقى في السلطة”.

لن يتمكن بوتين من تحويل مناسبة العرض العسكري في ذكرى الانتصار على ألمانيا النازية إلى محطة يعلن فيها انتصاره على “نازيّي” أوكرانيا والغرب من ورائهم. وسيجد نفسه إزاء احتمالات خطيرة تطرح مزيداً من التصعيد الذي يخشاه الغرب وتحتاط له موسكو.

في الغرب، يخشون من اتساع الحرب خارج أوكرانيا، وفي روسيا حذر بوتين من اللجوء إلى السلاح النووي. بحسب باحثين غربيين، فإن تصعيداً يمكن أن يحصل في حالات ثلاث؛ إذا حصلت أوكرانيا على صواريخ مضادة للسفن الروسية في البحر الأسود. أو قصفت القوات الروسية قافلة إمداد لأوكرانيا في إحدى دول حلف الأطلسي، ما يؤدي على الفور إلى تفعيل المادة 5 من دستور الحلف ويحرّك قواته. وأخيرا إذا أدى القتال في دونباس إلى تفجير منشآت كيماوية، ما ينشر موتاً جماعياً كما وقع في الغوطة الدمشقية.

خارج هذه الاحتمالات، سيبقى الدعم الغربي لأوكرانيا تحت سقف منع الانفجار العام. وكما يقول ضابط بريطاني كبير لـ”BBC”، “ما نحاوله هو تقديم كل مساعدة ممكنة لأوكرانيا باستثناء الحرب العالمية الثالثة، إلا أن المشكلة أن بوتين لاعب بوكر أفضل منّا”. إلا أن في موسكو وجهات نظر أخرى قد تؤكد أفضلية بوتين كلاعب بوكر على حافة الهاوية النووية. فصحيفة ” كومسومولسكايا برافدا” تذهب إلى توقّع ضربة نووية روسية لأميركا بحلول حزيران (يونيو) المقبل”. وتنقل عن الخبير العسكري الروسي فلاديمير شوريغين قوله، “إذا بدأ الناتو بتزويد أوكرانيا بأسلحة يمكن أن تخلق مشكلات للحياة في روسيا نفسها، فسنجد أنفسنا في موقف تشن فيه أميركا بالفعل حرباً غير محدودة ضدنا. ويمكن أن تصل أميركا إلى هذا القرار بحلول يونيو، ومثل هذا التدخل يمنحنا سبباً لزيادة الاستعداد القتالي لقواتنا النووية، أي لتحذير الناتو رسمياً: إذا لم تتوقفوا، فنحن مستعدون لاستخدام السلاح النووي”. التهديد النووي قد يكون رسالة بوتين في التاسع من مايو (أيار)، لكن العالم دخل فعلياً في عصر حرب عالمية لا يعرف أحد مآلاتها.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى