صحافة الفيديو في مصر تصنع من المغمورين مشاهير
النشرة الدولية –
العرب –
أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر برئاسة كرم جبر قرارا خاصا بكود “ضوابط أخلاقيات نشر أخبار الجريمة والتحقيقات” صدر في الجريدة الرسمية الاثنين، وتضمن مجموعة من القواعد التي تحكم مسألة ترويج صحف ومواقع إلكترونية في مصر لعدد من المتهمين في قضايا مرتبطة بالسرقة والنصب والتزوير والتهريب.
وقد ألقت أجهزة الأمن المصرية أخيرا القبض على فتاة تبيع مستحضرات تجميل تحمل علامات تجارية شهيرة بأسعار زهيدة ووجهت لها تهمة بيع منتجات مغشوشة بعد ساعات من ظهورها على أحد المواقع الإلكترونية وقامت بالترويج لبضاعتها من خلال فيديوهات بث مباشر جاءت بعنوان “قمر وكالة البلح”، أسوة باسم الفتاة والمنطقة التي تسوق فيها منتجاتها بإحدى المناطق الشعبية في وسط القاهرة.
وتكررت الواقعة مع صاحب أحد محال بيع الطعام يطلق عليه “السمين” (وجبة شعبية) في شرق القاهرة والمعروف إعلاميًا بـ”بائع الكبدة الجملي”، وظهر في فيديوهات عديدة عرضتها مواقع وصحف قبل أن تلقي الأجهزة الأمنية القبض عليه وتغلق محله لعدم وجود التراخيص اللازمة للعمل وعدم حصول العاملين فيه على شهادات صحية، قبل أن تفرج عنه الجهات القضائية على ذمة القضية، وهو ما حدث مع قمر الوكالة.
وظهر من يسمى بـ”مستريح أسوان” الذي نجح في جمع أموال من المواطنين بذريعة توظيفها في فيديوهات نشرها على صفحته الخاصة وأعادت مواقع إلكترونية نشرها. والأمر حدث أيضًا مع جملة من الخارجين عن القانون واجهوا تهما مختلفة غير أن ظهورهم على المواقع والصحف كان بداية الخيط نحو تحرك الأجهزة الأمنية التي تدرك أن هؤلاء يجري الترويج لهم وتحولوا إلى “ترند” وقضية تشغل الرأي العام.
وتوسعت المواقع والصحف الإلكترونية في استخدام تقنية البث المباشر مع شخصيات وأماكن تجارية في الفترة الماضية، ولم يعد هناك حد فاصل بين العمل المهني وبين الدعاية والإعلان والترويج لهؤلاء، وبات الأمر في صالح الصحيفة التي تبحث عن تحقيق عوائد مادية من انتشار فيديوهاتها على مواقع التواصل، والشخصيات وأصحاب المحال التجارية الذين يحققون انتشارا كبيراً من خلال تنامي متابعيهم.
وتشهد المواقع والصحف تنافسًا من نوع آخر، إذ أن تحقيق فيديو مع شخصية أو حول قضية ما نسب مشاهدات مرتفعة يدفع الآخرين إلى تكرار التجربة ويصبح المواطنون أمام فيديوهات مكررة.
ويقول متابعون إن وسائل الإعلام المصرية تقع على عاتقها مسؤولية مشتركة في الترويج لخارجين عن القانون دون أن تستخدم أدوات التأكد من صحة المعلومات التي تقدمها، غير أن عدم وجود ضوابط مطبقة على الفيديوهات يقتضي توقيع عقوبات على المخالفين، وعلى الجهات المختصة رصد الأخطاء التي تقع فيها الصحف والمواقع لمنع الفوضى الآخذة في التطور.
وقال خبير الإعلام الرقمي خالد برماوي إن تعدد أزمات تقنيات البث المباشر يدفع إلى وضع ضوابط مهنية لا تختلف عما تلتزم به الصحافة المطبوعة مع مراعاة التقنيات المتطورة للفيديو، ما يحتاج إلى اهتمام من قبل القائمين على المواقع والصحف لتدريب الصحافيين وعدم تركهم فريسة للوقوع في أخطاء بدائية لا يمكن تجاوزها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “يصعب القول إن الصحافة مشتركة في جريمة الترويج لخارجين عن القانون، لكن يمكن التأكيد على أنها مسؤولة أو معنية بما تقدمه من محتوى وعليها أن تقوم بدور أكبر لتوثيق المعلومات والتأكد من صحتها وعدم الانجراف نحو الترند بمعزل عن الضوابط المهنية والإعلامية”.
وشدد على أن هناك مشكلة إدارية، حيث لا توجد جهة مسؤولة عن تنظيم عمل صحافة الفيديو التي تقوم بالبث المباشر، ويتفرق دمها بين نقابة الصحافيين التي تضع ضوابط مهنية وميثاق شرف الصحف المطبوعة وبين نقابة الإعلاميين باعتبارها مسؤولة عن المحتويات المرئية، وبين المجلس الأعلى للإعلام، فلا توجد نقابة للصحافيين الإلكترونيين، وهناك فجوات عديدة يستغلها البعض من أجل الاستمرار في تقديم محتوى يجذب الجمهور، ويعاني في الوقت نفسه من أخطاء مهنية فادحة.
ويبرر عدد من مسؤولي الصحف والمواقع الإلكترونية زيادة الاعتماد على البث المباشر بأنها تحقق عوائد مالية تصل إلى 70 في المئة من إجمالي أرباحها، وهو أمر ضروري للتعامل مع عزوف المعلنين التقليديين وتراجع مبيعات الصحف، والبديل قد يكون إغلاق الصحف وربما المؤسسات التي لا تجد أبوابا مفتوحة للتمويل.
ويرى هؤلاء أن استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في البث ما زال في طور التجربة والأخطاء طبيعية في تلك المرحلة وصولاً إلى التوافق على شكل محدد لتقديم محتوى الفيديو يكون ملزمًا للجميع، في ظل وجود مجموعات “يوتيوبرز” يقومون ببث محتوياتهم دون ضوابط، ويتعرض لها الملايين من الجمهور، بينما الصحف توفر قدراً من الرقابة وترفض تصوير وإذاعة فعاليات غير أخلاقية.
وتخصص بعض المواقع الإلكترونية محتوياتها وفقًا لطبيعة الجمهور الذي تخاطبه والذي يختلف بالتبعية عن رصانة جمهور الصحف الورقية، وترى أن الفيديو له طبيعة خاصة على مستوى الرسالة وطريقة توصيلها إلى الجمهور، حيث تستقطب جمهور منصات التواصل الاجتماعي الذين يشكلون الشريحة الأكبر من المواطنين بعد أن عزفت قطاعات عديدة عن متابعة الإعلام الرسمي أو التقليدي.
وأكدت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة سهير عثمان أن خطط عمل الصحف والمواقع الإلكترونية في ما يتعلق بالفيديو أدت إلى تراجع هيبة الصحافة بين الجمهور ولم تعد توجد قناعة بأهمية ما يتم نشره على وسائل الإعلام بعد أن تحولت إلى وسيلة لنشر محتوى ضعيف لا يرقى ليكون قابلا للنشر، وهو ما أفضى إلى تضرر المهنة بوجه عام.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن غياب المتابعة من مسؤولي الصحف والمواقع وهيئات تنظيم الإعلام في مصر يقود إلى الفوضى الحالية التي وصلت إلى حد الترويج لمنتجات مجهولة المصدر، كما أن الصحافيين أنفسهم غير معنيين كثيرا بتقديم تلك المعلومات بشكل سليم للجمهور، ويفتقرون إلى العلم والدراية بمواثيق الشرف الصحافي.
وذكرت أن القائمين على أوضاع الإعلام بحاجة إلى وقفة قوية في وجه المخالفات اليومية التي ترتكب باسم محتويات الفيديو، ولا بد من فرض عقوبات على المخالفين بعد أن يجري التوافق على ميثاق شرف يأخذ الصفة القانونية للتعامل مع البث من خلال أشخاص غير مؤهلين، والكثير من المواقع تستعين بفيديوهات هواة للتوثيق لأحداث كبرى، ما يشير إلى أنها فقدت قدرتها على القيام بدورها.