“حزب الله” يحتفل بأربعينية تأسيسه و”المحكمة الخاصة بلبنان” تفضحه و… تودّع!
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
بالتزامن مع إعلان “حزب الله” ما سمّاه “الاحتفالية الخاصة” بمرور أربعين عاماً على تأسيسه، كانت غرفة الإستئناف في “المحكمة الخاصة بلبنان” تُنزل، في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، خمسة أحكام بالسجن المؤبّد بحق القيادي الأمني في “حزب الله” حسن مرعي ومساعده حسين عنيسي، بعدما كانت غرفة البداية في هذه المحكمة قد أنزلت، في وقت سابق، العقوبة نفسها ب”الناشط البارز في الوحدة 121 التابعة لـ”حزب الله”، وهي فرقة الاغتيالات التي تتلقى أوامرها مباشرة من زعيم الحزب حسن نصرالله”، وفق تقييم “برنامج المكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
وإذا كان “حزب الله” بإعلانه عن “الاحتفالية الخاصة” التي تمتد من 20 حزيران (يونيو) الجاري إلى 20 آب (أغسطس) المقبل، يتطلّع إلى مستقبل زاهر، على اعتبار أنّه لا يزال في “ربيعه”، فإنّ “المحكمة الخاصة بلبنان” بإعلان هذه العقوبات تكون قد دخلت في الأيّام الأخيرة التي تفصلها عن اغلاق أبوابها في الخامس عشر من تموز (يوليو) المقبل، تاركة وراءها سائر المشاركين في اغتيال الحريري وملفات محاولتي اغتيال مروان حمادة والياس المر واغتيال جورج حاوي التي صدرت قرارات الاتهام فيها وصُدّقت.
وإذا كان حلول موعد “تغييب” المحكمة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بوقف مدّها بما تحتاجه من أموال كان يؤمّنها لبنان، بنسبة 49 بالمائة والدول المانحة، بنسبة 51 بالمائة، فإنّ “حزب الله” يسير نحو أهدافه، بفعل أنّ “موازنته ورواتبه ونفقاته وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه مصدرها الجمهورية الإسلامية في إيران”، كما سبق أن قال نصرالله، في كلمة ألقاها في ذكرى اغتيال أبرز قيادييه، مصطفى بدر الدين الذي كان “الرئيس المباشر لعيّاش ومرعي وعنيسي”، رفيقاً لهم في لائحة الإتهام وإجراءات المحاكمة الغيابية!
والحالة كذلك، فهل جاء حكم المحكمة الخاصة بلبنان بمثابة “نذير شؤم” ل”حزب الله” مع حلول”سنته الأربعين”؟ أو أنّ برنامج “إحتفالية التأسيس” الذي زامن الإعلان عنه موعداً سبق أن حدّدته المحكمة قبل أسابيع، حلّ بمثابة “إعلان انتصار” الحزب عليها؟
في ظاهر الحال، إنّ هذه المشهدية تترك انطباعاً بأنّ “حزب الله” حقّق انتصاراً كاملاً على المحكمة التي كان قد سعى، بكل ما يملك من أدوات، إلى منع إنشائها، قبل أن ينكفئ الى “الخطّة البديلة” التي ترتكز على “إهمالها واعتبارها كأنّها غير قائمة”، مستمدّاً قوته، في إنجاح مسعاه هذا، من رضوخ القوى اللبنانية المعنية بالمحكمة، لفصل المسار القضائي عن العلاقة السياسية والسلطوية والتنسيقية مع “حزب الله”.
وفي ظاهر الحال أيضاً، إنّ المشهديّة نفسها تُظهر أنّ الجمهورية الإسلامية في إيران، بصفتها المرجعية المالية واللوجستية والعقائدية ل”حزب الله”، قد حققت، بدورها انتصاراً على مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة ومروحة واسعة من الدول المانحة بينها دول كبرى، كالولايات المتحدة الأميركية، ودول غنية كالمملكة العربية السعودية، بصفتها المرجعية المالية واللوجستية والعقائدية للمحكمة الخاصة بلبنان.
وفي ظاهر الحال أيضاً وأيضاً، إنّ “المحكمة الخاصة بلبنان” سوف تُغلق أبوابها، من دون أن تُحقّق الهدف السامي لإنشائها، أي إنهاء حالة التفلّت من العقاب في لبنان، على اعتبار أن لا هذه المحكمة نجحت في توقيف أيّ مطلوب منها، ولا القضاء اللبناني تمكّن من أن يكشف، ولو دليلاً واحداً، ليس في جرائم الإغتيال التي استهدفت قيادات وشخصيات “ثورة الأرز”، فحسب بل تلك التي تتصّل بجرائم تفجير المرفأ واغتيال لقمان سليم، أيضاً.
إنّ خطر ما في حالات “ظاهر الحال” تلك، يكمن في أنّ الرأي العام يعتمد عليها في تقييم نتائج حرب “حزب الله” على “العدالة الدولية” التي طالبت بها، يوماً شرائح واسعة من اللبنانيين لتحلّ مكان “العدالة الوطنية” التي كان تُدرك عجزها عن التصدّي لكلّ ما يُمكن أن يرفضه هذا الحزب.
لكن من يزعمون أنّهم يملكون “رؤية شاملة” يريدون من اللبنانيين أن يذهبوا إلى أبعد من ظاهر الحال، بالركون الى أنّه، للمرّة الأولى، في تاريخ لبنان الحديث تُسجلّ الوثائق الرسمية الدولية أسماء مجرمين اغتالوا قادتهم السياسيين، وتالياً فإنّ ما لا يمكن الحصول عليه، حالياً، يمكن إنجازه لاحقاً، لأنّ مسألة تطبيق العدالة لم تعد مسألة مبدأ، بل أصبحت مسألة وقت ومسألة ظرف.
قد يكون ذلك صحيحاً، إذ إنّ حكماً صادراً عن مرجعية قضائية دولية، كما بيّنت المعطيات الصربية والسودانية والرواندية والسيراليونية وغيرها، لا يمحوه الزمن ولا تطويه التطوّرات ولا تتجاوزه المرجعيات، وعليه فإنّ مستقبل “حزب الله”، كتنظيم سياسي يُمكن التعامل معه، يجب أن يمرّ حكماً بتنفيذ الحكم القضائي، وتالياً ليس ثمّة قيمة للإحتفاء بعمره طالما أنّه، في “الأربعين ربيعاً”، تمّ تظهيره، قضائياً وليس سياسياً، على أساس أنّه “مأوى الإرهابيين”.
إلّا أنّ هذه الدعوة الى مقاربة الحدث بما يتخطّى “ظاهر الحال”، مشوبة بنقاط ضعف كثيرة، إذ إنّ ثلاث دول فقط تفاعلت مع الحكم الذي صدر ضدّ مرعي وعنيسي، وهي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، مطالبة المجتمع الدولي الذي صمت بعدما أوقف تمويل المحكمة “بالإضطلاع بمسؤولياته تجاه لبنان وشعبه الذي يعاني من الممارسات الإرهابية العبثية للميليشيا المدعومة من إيران”.
ووسط هذا الواقع الدولي، وفي انتظار السؤال الى الحكومة الذي سوف يوجّهه النائب مروان حمادة المحروم ملف محاولة اغتياله من الوصول الى خواتيمه، بفعل “نقص التمويل”، عن الآلية التي سوف تتّبعها لتنفيذ الحكم، فإنّ غالبية الطبقة السياسية التزمت الصمت، ومن تحدّث منها لجأ الى “عصفور تويتر” الذي عملت “الجيوش الإلكترونية” على اغتياله بألف شتيمة وشتيمة!
ممّا لا شكّ فيه أنّ الحكم الذي صدر في ملف اغتيال الحريري بحق “جزئية صغيرة” من مجموعة كبيرة قرّرت وخطّطت وحرّضت ونفّذت وضلّلت، مهم، لكن، ممّا لا شكّ فيه أنّ ذهاب “حزب الله” الى الإحتفال بالذكرى السنوية الأربعين لتأسيسه، من دون أن يرفّ له جفن، يعكس واقع لبنان الحقيقي، حيث يقهقه المحكوم عليه وينوح المحكوم… له!