جرائم عديمي الشرف من الطرحة للقفة!
بقلم: بشار جرار

النشرة الدولية –

لن أخوض فيما خاض فيه الناس وأشبعوه سرداً وتحليلاً، و(تحليلاً وتحريماً). فحتى كتابة هذه السطور بلغ عدد شهيداتنا في يومين فتاتين في عمر الورود، المصرية نيّرة والأردنية إيمان، يا لها من صدفة تعرّينا جميعاً أن مسرح الجريمة كان محراب العلم، الجامعة.. لا فرق بين سلاح “أبيض” وآخر ناري، فأول جريمة في التاريخ كانت بين أخوين ضاقت على أحدهما الأرض فغدر بأخيه وقتله بحجر..

المجرم الأول كان قابيل، والجريمة ستبقى القتل مهما تذرعت الأفاعي والحرابيّ من مدعي الإيمان مرتزقة الدجل الديني ومدعي الغيرة والحمية من أشباه الرجال، ما كان الشرف ذكورياً ولا حتى مادياً يكتمل أو ينقص بقطعة قماش أو تحرسه أغشية، الشرف الرفيع المُصان قيمة روحية أخلاقية قبل أن تكون جسدية من التراب وإليه..

بحسن أو سوء نية، يقتبس المتحذلقون من القابعين تحت الأضواء أو المتزاحمين عليها، يقتبسون الآية القرآنية الكريمة “بأي ذنبٍ قُتلت” وكأننا نتحدث عن الموءودة من صغار الأطفال وما زال فينا من يزوجهن عنوة، حتى ما يسمونه “نُكاحاً” أكسبوه معنى غير محمود لارتباطه بالتزويج استدراجاً أو طمعاً أو كَرهاً، صار أقرب في معناه إلى الاغتصاب، وهو حال كثير من المتزوجات اللواتي ابتلين بحيوان غير آدمي في هوسه الجنسي الذي انحدر لدى كثير منهم إلى ما هو أحط من حيوانات البراري، حتى في عالم الحيوان لا يوجد اغتصاب فللعشق وما يعبر عنه من عمل، لغة راقية قد لا نراها لكن نسمعها في عالم الطيور بأبهى صورها صوت وصورة متخيلة..

العلة في جرائم عديمي الشرف أنهم فاقدون لقيمٍ ومعانٍ أساسية في عالم الأحياء، البقاء محكوم بقطبي الحياة والموت، فإما محبةً وميلاداً وحياة، وإما كراهيةً وعنفاً وموتاً، حتى غريزة البقاء وحفظ الجنس محكومة بالشراكة والعطاء والخدمة، لا المفهوم البدائي الحيواني القائم على الاستحواذ والسيطرة والهوس والرِق الجنسي.

كفانا تجميلاً لواقعٍ بشعٍ أخفقنا لقرون بتغييره وليس لسنين أو عقود، هذه الجرائم موجودة تحت مسميات عدة في كل دول العالم، لكن أعلاها في العالمين العربي والإسلامي، جرائم عديمي الشرف مرتبطة بنتاج منظومة متكاملة ثقافية تربوية تبدأ من البيت لكنها تكتمل وتتبلور في دُور العبادة ومراكز العمل والجو الثقافي والحضاري العام للبلاد، بعد واجب العزاء لا بد من “نصرة” حقيقية للضحايا تتمثل بكشف خلايا النصرة وداعش وبوكو حرام وطالبان بين ظهرانينا.

أما الدولة، بمعنى النظام وليس البحث عن كبش فداء بحكومة أو وزير، فالمرض مستفحل مستوطن، وآن الأوان للتشخيص بضمير حي وبشجاعة، ما من رادع لهذه النفوس المريضة الشريرة في ظل غياب فرض القانون على الجميع دون اختباء وراء دين (أو بالأحرى تأويل التأويل وتفسير التفاسير) أو حزب أو عشيرة.

كم أضحكني رد مصريات على من صنع منه الاعلام العربي مفتيا -عبر الأقمار الصناعية ب (آلو) الذي طالبهن عبر الهاتف الذكي في بث مباشر بالخروج من بيوتهن ك “القفة” اتقاء للقتل- بأنه “مَقطَف” وهي مسبة باللهجة العامية المصرية ينعت بها السفهاء..

قبل زهاء ثلاثة أرباع القرن تندّر “زعيم القومية العربية” جمال عبد الناصر على مطالبة مرشد جماعة الإخوان المسلمين له باتخاذ قرار جمهوري يفرض على المصريات التحجب، استخدم ناصر يومها بذكاء كلمة “الطرحة” كناية عن محاولة الإخونج النيل من إرادة وحرية وتحرر المصريين عموماً، “خلي يلبسها هوّ”، كان الرد من أحد الحضور، لتضج القاعة بالضحك والتصفيق. وما زلنا نصفق..

*كاتب ومحلل سياسي – مدرب مع برنامج الدبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية

عنوان الكاتب على منصة تويتر:

http://@basharjarrar

 

زر الذهاب إلى الأعلى