الرئيس اللبناني يتخذ سابقة سياسية قبل مغادرة منصبه وميقاتي يعتبرها “بلا قيمة دستورية”
النشرة الدولية –
الحرة –
غادر الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد القصر الرئاسي وسط دعم وحضور من أنصاره في حزبه “التيار الوطني الحر”، مستبقاً خروجه بتوقيع مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة تزيد من تعقيدات المشهد السياسي في البلاد.
ومع عدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة في البرلمان، يهدّد الفراغ السياسي بتعميق أزمات البلاد في ظل انهيار اقتصادي متسارع منذ ثلاث سنوات ومع تعذر تشكيل حكومة منذ مايو.
وذكر مصدر قضائي لرويترز أن “الحكومة ستواصل تصريف الأعمال رغم ذلك”.
وفي رسالته الى البرلمان، قال عون إن خطوته تأتي بعدما أعرب رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي “عن عدم حماسته للتأليف لأسباب مختلفة”، ولقطع الطريق أمامه لـ”عقد جلسات لمجلس الوزراء” بما يخالف “مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق”.
وتعد خطوة عون سابقة في لبنان، حيث يتعين على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، في اليوم ذاته الذي يوقع فيه مرسومي تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. وتصدر المراسيم الثلاثة معاً.
إلا أن خبراء دستوريين يقللون من تداعياتها ويضعونها في إطار “الصراع السياسي” بين الرجلين، بحسب فرانس برس.
وخلقت المناكفات السياسية القائمة بين رئاستي الحكومة ورئاسة البلاد، جدلا دستوريا جديدا، إذ شكك عون وفريقه السياسي بدستورية إدارة حكومة تصريف الأعمال للبلاد وميثاقية هذه الخطوة في ظل الفراغ، وإمكانية تسلمها لمهامه خلال هذه الفترة، في بلد يدار بالتوازنات الطائفية والتحاصص بينها، حيث رئاسة الجمهورية عرفا من حصة المسيحيين الموارنة، فيما رئاسة الحكومة من حصة المسلمين السنة، ما أتاح لعون طرح الميثاقية بتسلم ميقاتي وحكومته للحكم في مرحلة الفراغ الرئاسي.
رد من الحكومة
وبعد خطوة عون، أعلن ميقاتي، في بيان أن “الحكومة ستتابع القيام بواجباتها الدستورية كافة ومن بينها تصريف الأعمال وفق نصوص الدستور والأنظمة التي ترعى عملها (..) ما لم يكن لمجلس النواب رأي مخالف”.
واعتبر أن “المرسوم الذي قبل استقالة الحكومة، المستقيلة أصلا بمقتضى أحكام الدستور، يفتقر إلى أي قيمة دستورية”.
ماذا يعني ذلك؟
وفي هذا الشأن يقول رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي، بول مرقص، إنه “من المألوف والمتعارف عليه دستوريا، وهو الأمر الذي ارتقى إلى مستوى العُرف الدستوري، بأن يقوم رئيس الجمهورية في كل مرة تستقيل فيها الحكومة أو تعتبر مستقيلة مع استحقاقات معينة كبدء ولاية مجلس النواب كما هي حالتنا الراهنة، أن يَعمد الرئيس إلى تكليف رئيس للحكومة بناء على استشارات نيابية ملزمة وفق دستور ما بعد الطائف”.
وتابع مرقص “وبالتالي، وبعد الاتفاق على الحكومة، فإنه يوقع 3 مراسيم، 2 منها يوقعها الرئيس منفردا بمقتضى المادة 54 من الدستور وهي مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء الجديد ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة”.
وفيما يخص ما حصل حاليا، أضاف أن “رئيس الجمهورية قام، ومن دون التوصل إلى اتفاق على الحكومة الجديدة بينه وبين رئيس الحكومة المكلف، بإصدار مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة فقط، من دون صدور المرسومين الآخرين، تكريسا لواقع أن الحكومة الحالية أصبحت مستقيلة بفعل بدء ولاية مجلس النواب الجديد”.
وتابع أن “صدور هذا المرسوم بمفرده من دون المرسومين الآخرين، وإن كان من شأنه ترك إرباك سياسي، إلا أنه لن يغير من المعطى الدستوري، إذ أن مرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة كما هو الواقع الحالي مع بدء ولاية مجلس النواب حيث تعتبر مستقيلة وفق المادة 69 من الدستور، هو معطى دستوري حُكمي، وبالتالي فإن هذا المرسوم لا يعتبر مرسوما إنشائيا بل إنه مرسوم إعلاني، تنحصر مفاعيله بإعلان المُعطى الدستوري المتمثل باعتبار الحكومة مستقيلة أصلا”.
وأوضح أن خيار عون توقيع مرسوم إقالة الحكومة “لن يكون له مفعول دستوري بذاته، بل سيكون له مفعول سياسي يستعمله السياسيون المعارضون لفكرة انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الشغور الرئاسي إلى حكومة تصريف أعمال عملا بالمادة 62 من الدستور، والتي يفسرونها على النحو المعطّل لانتقال الصلاحيات، ولذلك نتوقع أن يترك الأمر مجالا لتدعيم وجهة النظر السياسية هذه أكثر منه استحداث معطى دستوري جديد”.
ولفت مرقص إلى أنه “بالحد الأدنى فهناك ثمة قاعدة تحكم عدم الفراغ في الحكم، ألا وهي استمرار عمل المرفق العام الدستوري، بمعنى أن لا انقطاع في الحكم. جل ما في الأمر أن السلطة الآفلة وهي هنا الحكومة، عليها التزام الحد الأدنى من أعمال الحكم الضرورية لتسليم الشرعية إلى من يخلفها، ليس إلا”.
وكان لعون دردشة مع الصحفيين على هامش اللقاءات الأخيرة التي أجراها في قصر بعبدا قبل رحيله، جدد التلويح خلالها، بتوقيع استقالة الحكومة، ورد عون على الرأي القائل بعدم قانونية خطوته، معتبرا أنه “ليس هناك نص دستوري يشترط ذلك، بل إن المسألة متعلقة بالأعراف، ويمكن خرق العرف”.
أمر واقع دستوري
لكن وفق ما يرى الخبراء بالسياسة والقانون، فإن استمرار حكومة تصريف الأعمال هو أمر واقع محمي بالدستور، بحسب تقرير سابق لموقع الحرة.
وبحسب ما يؤكد المحامي المحاضر في كليات الحقوق، هيثم عزو، لموقع “الحرة”، فإن الدستور ينص صراحة أنه في حال الشغور في منصب رئاسة الجمهورية، فإن صلاحيات الرئيس، تناط وكالة بمجلس الوزراء، “وذلك يعني أن مجلس الوزراء الموجود يصبح هو الوكيل بنص دستوري، دون أن يغير ذلك بشكل هذه الحكومة وكيانها الدستوري، سواء أكانت حكومة عادية أم حكومة مستقيلة”.
أما بالنسبة إلى النقطة الثانية المتعلقة بأثر توقيع الرئيس اللبناني لمرسوم قبول استقالة الحكومة قبل رحيله، بحسب عزو “ليس من شأنه تغيير الكيان الدستوري للحكومة الحالية، وليس من شأنه أن يغل يدها أو يؤثر على صلاحياتها المقتصرة على تصريف الأعمال(..)”.
ويتابع شارحا أن مرسوم قبول استقالة الحكومة هو “مرسوم إعلاني لحالتها المنشأة أصلا عن حكم دستوري بعد الانتخابات النيابية، وليس ناجما عن مرسوم رئاسة الجمهورية بكونه ليس إنشائيا، ولا يمكنه أن يغير شيء بالمعادلة الدستورية، ولا في المعاملة العملية على أرض الواقع، وليس من شأنه أن يجهضها من الحياة الدستورية والسياسية، باعتبار أن الذي يؤدي إلى ذلك هو فقط توقيع مرسوم تشكيل حكومة جديدة تخلفها وتمارس صلاحياتها، كل ذلك وارد في الدستور لضمان عدم جواز الفراغ في المؤسسات الدستورية واستمرارية العمل في المرافق العامة”.
من جهته يقول الكاتب السياسي، جوني منيّر في حديث سابق لموقع الحرة: “فعليا وعلى أرض الواقع، السلطة الموجودة هي التي تمسك بالأمور وتملأ الفراغ الحاصل، وتؤمن استمرارية الدولة إلى حين الوصول لانتخاب رئيس جديد للبنان، وحكومة تصريف الأعمال قادرة على ذلك، لاسيما وأنه في هذه الحالات الممسك الحقيقي والفعلي بالوضع يكون مؤسسة الجيش اللبناني”.
وبالتالي يتوقع منيّر في المرحلة المقبلة، أن تسير الأمور كما هي قائمة حاليا، “حكومة تصريف الأعمال مستمرة دستوريا بإدارة البلاد، ويستمر التضارب السياسي والتصعيد الخطابي بين الأطراف السياسية المتنازعة بشأن الدستورية”.
شغور رئاسي
ودخل لبنان في مرحلة الشغور الرئاسي بالفعل، بعد انتهاء ولاية عون، ولا قدرة وتوافق على انتخاب رئيس جمهورية جديد عبر المجلس النيابي المنقسم على نفسه، ولا حظوظ بولادة حكومة جديدة، في ظل الصدام بين فريق عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي.
ويذكر أن ولاية عون الرئاسية كانت قد بدأت بتاريخ 31 أكتوبر 2016، ما يفرض انتهاءها في 31 أكتوبر 2022، بكون الولاية الرئاسية بحسب الدستور اللبناني تمتد على 6 سنوات، ومثلما تسلم عون الرئاسة بعد فراغ رئاسي امتد على عامين ونحو 5 أشهر، سلم موقعه إلى الفراغ مجددا، دون مراسم تسلم وتسليم، ودون وجود ما يؤشر إلى المدى الزمني الذي قد يبلغه هذا الفراغ.
وفشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد في 4 جلسات مخصصة لذلك خلال المرحلة الماضية، آخرها كان في 24 أكتوبر الحالي، حيث لم تتمكن الكتل النيابية المنبثقة عن انتخابات مايو الماضي، من الاتفاق على اسم مرشح يحظى بقبول الأكثرية المطلوبة، فيما بقيت الأسماء المطروحة بعيدة جدا عن تحقيق الأغلبية، وسط لجوء كتل وازنة للتصويت بورقة بيضاء أو بعبارات رمزية تظهر عدم وجود مرشح لها حتى الآن بانتظار تسوية أو اتفاق معين.