ريما أميوني لبنانية تفتح أبواب حدائقها على العالم

لوحات تدعونا لزيارة "حديقة كبيرة تحتضن السماء في أغصانها"

النشرة الدولية –

العرب – ميموزا العراوي

وظفت الفنانة اللبنانية ريما أميوني عشقها للطبيعة، لتخلق منه حديقتها الخاصة التي تعبر عنها وعن وطنها، وتحمل إليها المتلقي لتشرح له ببساطة الفرق ما بين الفن النابع من الفنان التشكيلي الذي يخشى العالم الخارجي والفنان الذي يريد أن يحمي عالمه الشخصي من الاختراقات والمؤثرات الخارجية.

افتتحت صالة عايدة شرفان بالتعاون مع “كريستيان أشقر للفنون” في بيروت معرضا فرديا للفنانة التشكيلية اللبنانية ريما أميوني تحت عنوان “حديقة كبيرة تحتضن السماء في أغصانها”، وهو عنوان مُطوّل يعلن عن مزاج اللوحات المعروضة. ويستمر المعرض حتى الحادي عشر من شهر فبراير القادم.

مقابل العنوان المطوّل يرافق المعرض تقديم بهذه الكلمات القليلة التي وضعتها باللغة الفرنسية دومينيك إدة “النور في بلاد الآلام. الدهشة المأخوذة بفرح الذكريات. عينان وشجرتان. نافذتان. قنطرتان ووجهان. الموت والحياة يتقابلان ويتجاوران أحدهما الى جانب الآخر في عبق الألوان الدافئة، والأزهار حيث لا زيف في المشاعر ولا تكلّف. الفنانة ريما أميوني من الفنانات القليلات اللواتي واجهن وعبّرن عن ضعفهن وقوتهن بكل جرأة في آن واحد. أعمالها الفنية وتصويرها لذاتها في اللوحات يشبهان وطنها لبنان. من قلب الجراح تولد العجائب. إنه الوطن/الحديقة التي تحتضن السماء في أغصانها”.

الفنانة تحاول الخروج من قوقعتها الخضراء المُزهرة ليس لتواجه فظاعة العالم، بل لتستقبل عالما يزهو بخضرته

كل من سبق أن شاهد أعمال الفنانة سابقا يعرف تماما أنها عاشقة للطبيعة ولاسيما الطبيعة في الحدائق حيث تتدفق العذوبة على اختلاف فصول السنة وحيث تُشذب النباتات والأشجار بيد إنسان يعرف قيمة الطبيعة في حياته النفسية والجسدية.

من هذه الناحية تحديدا ليس معرضها الحالي مختلفا عما قدمته سابقا، بل هو من صميمه وينساب منه ليشكل أبعادا جديدة وإن كانت ضئيلة غير أنها ظاهرة للعيان ويمكن استشعارها من خلال ضربات ريشة الفنانة التي أصبحت أكثر حيوية مما كانت عليه.

وأعمال أميوني الحاضرة في صالة عايدة شرفان رسمتها الفنانة، كما سابقا، بالدرجة الأولى لذاتها، ثم بالدرجة الثانية للآخرين كتعويذة “للصبر والسلوان”. أما هذا الصبر فلعله صبر على ما عرفته الفنانة من تجارب قاسية لاسيما خلال سنوات الحرب اللبنانية أي قبل أن تأخذ القرار أو يأخذها القرار إلى الدخول إلى حدائقها الجميلة، الواقعية والمتخايلة على السواء وعدم مُغادرة هذا البرزخ الأرضي إلاّ وقتيا عندما يحين موعد عرض أعمال جديدة ومشاركتها مع الآخرين.

وتقدم لنا الفنانة اليوم كما في أعمالها السابقة مثالا واضحا ومباشرا عن الفرق ما بين الفن التشكيلي النابع من الفنان الذي يخشى العالم الخارجي، ويهمه أن يتماشى مع ذوق المُشاهد وهو في مهادنة مُرعبة مع ذاته حارما ذاته من كل التحولات الضرورية لتطوير أي تجربة فنية قد تأخذ لوحاته إلى العالمية، وبين الفنان الذي يريد أن يحمي عالمه الفني من ذاته قبل أن يحميه من العوامل الخارجية المؤثرة فيه، ومُستعد لأن يصغي إلى أعماقه مهما كانت صاخبة أو صادمة ليستنبط منها مفرداته الفنية الخاصة به دون غيره من الفنانين.

غير أن الجديد في معرض الفنانة أميوني هو أنها بدأت، شعوريا أو لا شعوريا، تحاول الخروج من قوقعتها الخضراء المُزهرة ليس لتواجه فظاعة العالم، بل لتستقبل عالما يزهو بخضرته، عالما مفتوحا قابلا للتوسع ويخصها هي فقط مباشرة.

الفنانة تتخيل نفسها في بعض الأحيان
الفنانة تتخيل نفسها في بعض الأحيان

كما حضرت في المعرض ثلاث لوحات ذاتية أهم ما فيها أنها مختلفة عن بعضها البعض كثيرا، ولكنها في الآن ذاته مُحافظة على هدوء ملامح الفنانة وروحها الصافية.

وفي المعرض أيضا لوحة مميزة جدا قد تكون بداية لسلسلة من أعمال جديدة تخفّ فيها وتيرة تعلّق أميوني برسم الحدائق على أنها الجغرافيا الوحيدة لحياة مُسيجة بألوانها وحافظة لأسرارها ومُبلسمة لأوجاعها دون السماح بتدخل أو مساهمة الآخرين.

عنوان هذه اللوحة “خاطرة لأجل منى”. لوحة تجسد امرأة جالسة أمام طاولة صغيرة أو واقفة وتنورتها تبدو كأنها الطاولة. وفي ذلك الالتباس طرافة كبيرة. يعثر المُشاهد أيضا في هذه اللوحة على الكثير من الشفافية في المشاعر على الرغم من حدة الألوان والخطوط، التي تذكر بتيار “الفوفيزم” الفني، وفيها الكثير من الغموض على الرغم من وضوح الأشكال.

وفي حين كانت لوحات الفنانة السابقة تحت تأثير مهرجان لوني صاخب قادم من عوالم جهنمية (وذلك لعنف ألوانها) وينخرها حزن وجودي ما، هي اليوم تتنفس الصعداء وتطلق سراح التعبير من بين تعريشات النباتات. لم تعد المشاهد الطبيعية في لوحاتها صورا مُقربة بالكاد يعي مُشاهدها ما يحيط بها، بل توسعت لتشمل الخارج والداخل في وئام مُفرح.

كما لم تعد الأبواب التي لطالما رسمتها سابقا قابلة فقط لأن تفتح على داخل المنزل (منزل الفنانة)، بتجاهل واضح لأي مكان خارج نطاقه. فقد كانت تلك الأبواب في سابق أعمالها مُحكمة الإقفال ولا تدعي احتمال وجود مفاتيح ولا تغري أي مُشاهد لها إلى تخيّل ماذا يوجد من خلفها لأنها كانت أبوابا شكلية لا تفضي إلى أي مكان.

وكانت تلك الأبواب على اختلاف ألوانها شبيهة بالأبواب التي تُصمم في المدن الكرتونية في الأفلام السينمائية، أو تلك المُشيدة بمادة “الريزين” الصناعية لتبقى مُنتصبة ومُعلنة انغلاقها الذي لا يتبدل بصريا إلاّ كلما جددت الفنانة وضع طبقات المادة الملونة فوق الطبقات، وكلما زرعت من حولها بريشتها النباتات والأشجار، أو استدعت ألوانها الفجة إليها كي تتسلق الجدران والأبواب فتظهر مُورقة ومُزهرة بكثافة، تزيد من عزلة المشاهد وعزلة الفنانة على السواء.

كما تغيرت أحوال النوافذ في لوحاتها الجديدة، على الأقل في أغلبها، ولم تعد النوافذ “موصدة” حتى وإن كانت مُغلفة وشتان ما بين الحالتين.

ومنذ معرضها الأول سنة 1980 في صالة “إبروف دارتيست”، شاركت الفنانة في معارض جماعية وأقامت 14 معرضا تشكيليا منفردا. وقد أبدت خلال السنوات الماضية اهتماما كبيرا بفن السيراميك الذي يتطلب دقة وحرفية وهو مرتبط بشكل أساسي بتشكيل الأواني ووضع الزخارف عليها.

وبعد أن عادت أميوني من نيويورك، حيث تلقت دراستها الجامعية، اختارت الفنانة السكن في منزل يطل على إحدى هضاب اليرزة (جبل لبنان). منزل محاط بالحدائق والفيلات المزدانة بالزهور. هناك، في قلب ذلك المنزل المعزول عن آلام الخارج شهد نظر الفنانة تنامي العرائش السحرية على جدران المنزل وتعاظم الفاصل ما بين الداخل والخارج.

ولعل “الخارج” الذي كان في مفهوم الفنانة لا يتعدى حديقة منزلها وزواره الذين تعرفهم عن ظهر قلب من أقارب وأصدقاء أصبح أقل غربة وأقل عدوانية فترتب عن ذلك توسيع المشاهد والموقف الوجودي تجاهها.

زر الذهاب إلى الأعلى