كم حمارا أكلت؟ سؤال المصريين “الساخر والموجع”

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية – أحمد عبد الحكيم

“كالمستجير من الرمضاء بالنار نعيش أوضاعاً يومية صعبة، كأنك في صراع مستمر بسبب غلاء المعيشة والتضخم، وارتفاع الأسعار حاصر خياراتنا الشرائية، ودفعنا في كثير من الأحيان لنكون فرائس سهلة لجشع التجار”.

تتندر الأربعينية (عفاف خ) بينما تحدثنا عن أزمة ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في مصر، بالتزامن مع إعلانات من الجهات الرقابية في البلاد، وأنباء متداولة حول القبض على تجار أو مطاعم تبيع لحوم “الحمير والأحصنة” وأحياناً الكلاب، قائلة “أمام الالتزامات اليومية يبقى السعر كلمة السر، وبعض التجار يلعبون على هذا الوتر في ظل أزمة أسعار تتغير على مدى اليوم أو حتى الساعة، على رغم أنها قد تكون غير مطابقة للمواصفات أو صالحة للاستهلاك الآدمي”.

لم تكن حال عفاف فريدة من نوعها، إذ قاد ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن وبالتبعية الأسماك، أو ما يعرف إجمالاً على موائد المصريين بـ”البروتين”، إلى تغيير الأنماط الاستهلاكية والمعيشية، ووصولها إلى حدودها الدنيا، وما يزيد من تأزم الأوضاع هو تداول وانتشار تلك الأخبار أو المقاطع المصورة، المتعلقة بلحوم الحمير والكلاب والأطعمة الفاسدة في مطاعم كبرى ومناطق شعبية، الأمر الذي أوضحه لنا رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين المصرية عبدالمنعم خليل، قائلاً “يتم ضبط كميات كبيرة من السلع الفاسدة أو المزورة وغير المطابقة للمواصفات، والأمر لم يعد مقتصراً على الأطعمة الفاسدة أو استخدام لحوم الحمير والكلاب في بعض المطاعم، بل يمتد إلى معظم المنتجات”.

خلال الأيام الأخيرة هيمنت حادثتان متعلقتان بلحوم الحمير والأحصنة على أحاديث المصريين، تمثلت الأولى في إعلان مباحث التموين عن ضبط رجل يحمل الجنسية الباكستانية في قرية برق العز التابعة لدائرة مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية (شمال)، تبين أنه ذبح حصانين لبيعهما لأهالي القرية بسعر 160 جنيهاً للكيلو الواحد (نحو 5.2 دولار أميركي).

أثارت الحادثة هلعاً بين الأهالي بعد الإقبال الذي شهدته تلك اللحوم بسبب سعرها المقبول، على رغم نفيها لاحقاً عبر وزارة الداخلية المصرية، كان لانتشار مقطع فيديو لرجل ادعى أنه صاحب أحد المحال الكبرى، وأنه استخدم “لحوم حمير” لإعداد وجبات شعبية مصرية، ليثير مزيداً من الجدل في شأن سوق اللحوم الحمراء في بلد يتجاوز استهلاكه السنوي منها الـ1.3 مليون طن.

وإجمالاً قفزت أسعار اللحوم الحمراء في مصر لتتراوح بين 250 و320 جنيهاً للكيلو الواحد بحسب المنطقة (ما بين 8 و10.5 دولار للكيلو)، فضلاً عن وصول أسعار الفراخ البيضاء الأكثر تداولاً لـنحو 90 جنيهاً للكيلو (نحو ثلاثة دولارات)، وكذلك الأسماك التي تضاعفت أسعارها مرة ومرتين في الأشهر الأخيرة، في وقت يعاني اقتصاد البلاد أزمة طاحنة وغلاءً غير مسبوق في المعيشة وسط انخفاض كبير في سعر صرف العملة المحلية، بعد أن فقد الجنيه نحو نصف قيمته منذ مارس (آذار) الماضي، وتزايدت نسب التضخم لتتجاوز الـ31 في المئة.

عرض مستمر

بين الحين والآخر تطل على المصريين أخبار وتقارير متعلقة بضبط الأجهزة الرقابية والسلطات المتخصصة أطعمة فاسدة، من بينها بيع واستهلاك لحوم الحمير والكلاب والأحصنة، سواء في المجازر، أو المطاعم والمحال الكبرى، أو في المناطق الشعبية، مما أحال الأمر إلى هاجس مستمر يطال كثيراً من المصريين.

خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ومع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، وتفاقم أزمة التضخم التي تعصف بالاقتصاد، تكرر هذا المشهد أكثر من مرة، آخرها ضبط الأجهزة الرقابية مواطناً يحمل جنسية أجنبية بعد ذبحه حصانين بقرية برق العز مركز المنصورة التابعة لمحافظة الدقهلية (شمال) وبيعها لأهالي القرية.

في هذه الحادثة التي وقعت أوائل مارس الجاري تبين أن الرجل الذي يحمل الجنسية الباكستانية ذبح حصانين لبيعهما لأهالي القرية بسعر 160 جنيهاً للكيلو الواحد، مما أثار حالاً من الهلع بين الأهالي بعد الإقبال الذي شهدته تلك اللحوم بسبب سعرها المقبول.

لم تمضِ أيام حتى انتشر مقطع مصور جرى تداوله بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر خلاله أحد الأشخاص مدعياً أنه مالك أحد المطاعم الشعبية الشهيرة في العاصمة المصرية القاهرة، وأنه يبيع مأكولات شعبية كـ”الممبار” الذي يتم إعداده من “أحشاء البقر والماعز محشوة بالرز”، وكذلك وجبة تسمى “السمين” ويتم تجهيزها بطريقة مشابهة باستخدام لحوم وأحشاء تلك الحيوانات، مستخدماً “لحوم حمير” في إعداد تلك الوجبات.

وفق ما زعمه الرجل في الفيديو المتداول فإن “جميع عربات ومطاعم بيع الممبار والسمين تستخدم لحوم وأحشاء الحمير”، وأرجع ذلك إلى “ارتفاع أسعار لحوم الماعز والأبقار، وسعي ملاك تلك المطاعم والعربات إلى تغطية نفقات العاملين وتحقيق مكاسب”.

بعد أيام أعلنت وزارة الداخلية تمكنها من القبض على الرجل الذي ظهر في المقطع المصور، قائلة إنه “منتحل شخصية صاحب محل”، وقد “مثل المقطع” بقصد تحقيق الشهرة والربح المادي نظير زيادة “نسب المشاهدة”.

تلك الحادثتان أعادتا إلى الصدارة حوادث كبرى سابقة شهدتها البلاد على مدى العامين الأخيرين، ولم يكن الجدل قد هدأ بشأنها بعد، أبرزها معاقبة محكمة جنح قنا (جنوب) في فبراير (شباط) الماضي، جزارين شقيقين بالحبس سنة وغرامة مالية 10 آلاف جنيه، لاتهامهما ببيع لحوم حمير وخيول للمواطنين، في واقعتين مختلفتين بقرية كلاحين أبنود التابعة لدائرة مركز قنا، بعد أن تم ضبطهما في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

قبل ذلك بنحو شهر، وتحديداً في يناير (كانون الثاني) الماضي، انتشر مقطع فيديو لهياكل عظمية لحمير مذبوحة في محافظة الفيوم (جنوب)، كشفت سلطات المحافظة المحلية لاحقاً عن أنها بلغت نحو “100 حمار مذبوح، 90 في المئة منها جثث كاملة من دون جلد، مما يرجح أن الذبح كان بغرض الحصول على الجلود”.

وكانت الفيوم ساحة لحادثة مماثلة في يوليو (تموز) من العام الماضي، بعد اكتشاف مقبرة تضم آلافاً من الهياكل العظمية ولحوم الحمير النافقة، وتوصلت الجهات الرقابية إلى أن تلك اللحوم كانت في طريقها إلى مطاعم كبرى بالعاصمة المصرية ومصانع لحوم مصنعة.

بالتزامن مع ذلك جرت واقعة مماثلة شهدها أحد مراكز محافظة القليوبية، حيث تم اكتشاف أحد محال الجزارة في مدينة الخصوص يذبح الأحصنة ويسلخها ويفرم لحومها ويوزعها على بعض المطاعم في محافظتي القليوبية والقاهرة، كما عثر على ماكينة فرم اللحوم وثلاجة كبيرة، وضبط حصان مذبوح، وأربعة أحصنة أخرى معدة وجاهزة للذبح، الأمر الذي استدعى تدخلاً برلمانياً عاجلاً حينها، ومطالبات لرئيس الحكومة بتكثيف حملات التفتيش على جميع محال الجزارة والمطاعم للتأكد من سلامة اللحوم والأغذية.

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 تمكنت الأجهزة الرقابية في محافظة الإسماعيلية (شرق)، من ضبط مزرعة تذبح الحمير وتفرم لحمها، بعد أن أكدت التحريات وجود مزرعة في منطقة الكيلو 6 (طريق) عثمان تذبح الحمير.

وفي سوهاج تكرر المشهد في يوليو 2020، حين تم العثور على حمير مذبوحة استعداداً لبيع لحومها للجمهور على أنها “حواوشي” (أكلة شعبية).

وفي أبريل (نيسان) من العام ذاته، أعلنت الجهات الرقابية في العاصمة إغلاق ثلاثة من المطاعم الشهيرة في القاهرة (بعضها يعمل منذ 20 عاماً) بسبب بيع لحوم خيول وحمير على أنها لحم بقري.

وفي فبراير 2018 تمكنت مديرية الطب البيطري بالقليوبية من ضبط صاحب مخزن لقيامه باستغلال ثلاجة لتخزين لحوم الحمير وتوزيعها على محال مأكولات.

ومع تأكيد رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين المصرية عبدالمنعم خليل لـ”اندبندنت عربية”، “كفاءة وقدرة الأجهزة الرقابية بالبلاد في ملاحقة جميع المخالفين، وسرعة التجاوب والتعامل مع مثل تلك الحالات”، كانت صادمة تلك الدراسة التي أجرتها كلية الزراعة بجامعة القاهرة، ونشرت نتائجها في يوليو 2022، لتكشف عن احتواء بعض منتجات اللحوم المجمدة مثل البرغر والشاورما والهوت دوغ واللانشون، التي أكلها المصريون خلال الفترة ما بين فبراير وديسمبر عام 2021، على لحوم الخنازير والكلاب والحمير والأحصنة، مما أثار مزيداً من الجدل حول القضية.

على رغم إصدار كلية الزراعة لاحقاً بياناً تتبرأ فيه من الدراسة، فإن عميد الكلية السابق عمرو مصطفى وهو أحد القائمين على الدراسة، خرج ليؤكد أنها تمت خلال عمادته للكلية، وداخل معاملها بمشاركة متخصصين على كفاءة عالية.

وأشار إلى أن الدراسة أجريت على 60 عينة من اللحوم الموجودة في الأسواق المصرية المختلفة وكذلك من الباعة المتجولين في المناطق الشعبية، وتم التأكد “أن بعض العينات مخلوطة بلحوم حمير وخنزير معاً من دون أية إضافات أو خلط بلحم بقري، كما تم إثبات حالات الغش في أكثر العينات بـ(الهوت دوغ واللانشون والبرغر والشاورما)”، موضحاً “استخدام حيوانات أكلها مخالف للشرع وحيوانات ضارة بصحة الإنسان وغش الأطعمة أصبحت عادة عالمية”. وحذر من خطورة الاستمرار في أكل اللحوم المصنعة.

يبلغ حجم استهلاك المصريين من اللحوم سنوياً نحو 1.3 مليون طن لحوم حمراء، يجري استيراد 40 في المئة منها، فيما وصل عدد رؤوس الثروة الحيوانية إلى 7.5 مليون رأس ماشية بنهاية 2022، بحسب بيانات لوزارة الزراعة المصرية. وتراجع نصيب المواطن المصري من اللحوم الحمراء من 10.7 كيلوغرام عام 2017 إلى 7.8 كيلوغرام في 2020، بينما ارتفع نصيب الفرد من اللحوم البيضاء والدواجن من 10 كيلوغرامات عام 2017 إلى نحو 15.2 كيلوغرام عام 2020.

كيف تتسرب؟

في الوقت الذي يشدد رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين المصرية عبدالمنعم خليل على “ندرة مثل تلك الحوادث في السوق المصرية”، تؤكد شرين زكي، وكيل النقابة العامة للأطباء البيطريين، رئيس لجنة سلامة الغذاء بالنقابة “كثرة تلك الحوادث، ووصول هذه اللحوم الضارة إلى مطاعم كبرى شهيرة في ظل عدم تغليظ العقوبات الرادعة لمثل تلك الممارسات التي تضر بشكل جسيم بصحة الإنسان”.

وتقول زكي لـ”اندبندنت عربية” “بشكل مستمر نكاد يومياً نضبط كميات من اللحوم الفاسدة في الأسواق المصرية، سواء من خلال المنتجات المصنعة، أو تلك التي يتم تقديمها في المطاعم”، موضحة “اللحوم الفاسدة لا تقتصر فقط على لحوم الحمير والكلاب والأحصنة، وإنما تمتد إلى غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بسبب عدم مطابقتها للمواصفات أو سوء التخزين”.

وتتابع “في ضوء كثرة الضبطيات التي شاركت فيها على مدى السنوات السبع الأخيرة يمكن ترجيح أن غالبية الشعب المصري تتناول لحوماً فاسدة أو لحوم حمير”، موضحة في الوقت ذاته أن نسبة كبيرة من عمليات ذبح الحمير تستهدف بالأساس “الحصول على جلودها وتهريبها للخارج، إذ تستخدم تلك الجلود في عديد من الصناعات ومن بينها المنشطات الجنسية”.

بحسب زكي، فإنه في الغالب لم تصل مثل تلك اللحوم في صورتها المعتادة إلى المستهلك لسهولة تمييزها عن اللحوم الحمراء الصالحة للاستخدام الآدمي، موضحة “من الصعب بيع لحوم الحمير أو الكلاب كقطع كما هي الحال بالنسبة إلى اللحوم الحمراء (جاموسي، بقري، جملي، خراف، ماعز)، إذ يمكن بسهولة التمييز بين النوعين من اللحوم، سواء عبر الرائحة أو الملمس أو اللون كذلك، لكن يكمن الغش بالأساس في استخدام تلك اللحوم بالمنتجات المصنعة والمفرومة”.

يتفق مع الرواية نفسها (م ع) أحد الجزارين المقيمين في ضواحي العاصمة المصرية، قائلاً إن “التسريب الرئيس لتلك اللحوم حتى تصل إلى المستهلك النهائي يتم عبر مصانع غير مرخصة (بير سلم وفق التسمية الشائعة) تقوم باستخدامها في منتجات اللحوم المفرومة والمجمدة”.

وأوضح “يقوم بعضهم باستخدام لحوم الحمير والأحصنة والكلاب، أو حتى اللحوم الحمراء الفاسدة، في بعض المطاعم أو مصانع اللحوم المصنعة عبر فرمها ووضع التوابل عليها لتغيير خصائصها ورائحتها بهدف تعظيم الربح”.

ويتابع الجزار ذاته “لحوم الأحصنة والحمير من اللحوم التي تتضمن نسبة سكريات عالية، كما أن احتواءها على مادة جيلاتينية وغلوكوز بنسب عالية يجعلها متماسكة عن غيرها في عمليات الفرم، لذا يتم استخدامها في هذه العمليات أو خلطها على مصنعات اللحوم مثل الكفتة وغيرها من المنتجات المماثلة”.

وفق حديث شرين زكي، تختلف لحوم الحمير والأحصنة والكلاب وحتى أحشاؤها عن اللحوم الحمراء بـ”كونها ذات رائحة كريهة تشبه رائحة الإسطبلات، ولونها أحمر داكن أو بني غامق، ولا تندمج بالدهون، وأليافها خشنة، فضلاً عن ارتفاع نسبة السكر بها، وقوامها زيتي يظهر في اليد حال الإمساك به، في حين أن اللحوم في الأبقار خليط بين ألياف اللحوم والدهون”، مضيفة “من أضرار لحم الحصان وجود بعض الأملاح في الأجزاء الداخلية منه، كما تمتلئ كتلة لحم الحصان بالجراثيم بنسب مرتفعة جداً لذا فإنها تتسبب في الإصابة ببعض الأمراض”.

بحسب زكي فإن “الجهة الوحيدة المصرح لها رسمياً بذبح الحمير في مصر هي حديقة الحيوان، التي تستخدم ذلك النوع من اللحوم كغذاء للحيوانات المفترسة”.

المواطن بين نارين

في الوقت الذي يئن المواطن المصري من الارتفاعات المتتالية في أسعار المواد الغذائية ومن بينها اللحوم والدواجن والأسماك، التي دفعت كثيرين إلى تقليل استهلاكهم منها، وأحياناً الاستغناء عن تلك المصادر المهمة للبروتين، يبقى اللعب على وتر الأسعار أحد العناصر الحاكمة للترويج للمنتجات المغشوشة والفاسدة، لا سيما اللحوم.

يقول تقرير حكومي أعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر الماضي إن 93.1 في المئة من الأسر خفضت استهلاكها من اللحوم والطيور، فيما قللت 92.5 في المئة من الأسر استهلاكها من الأسماك. وفي المقابل زاد 11 في المئة استهلاكهم من البقوليات، بالمقارنة مع ما قبل أزمة ارتفاع الأسعار التي تفجرت عقب الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير من العام الماضي.

وارتفعت أسعار الطعام والشراب في مصر على أساس سنوي 48.1 في المئة خلال يناير الماضي، وفق تقرير قياس التضخم الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي ذكر أن معدل التضخم العام بلغ 26.5 في المئة في الشهر ذاته مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مسجلاً أعلى معدلات الزيادة في أكثر من خمسة أعوام، بالمقارنة مع نسبة 21.3 في المئة التي سجلت في ديسمبر الماضي.

وفي حديثها لنا تقول (عفاف خ) التي تعمل في إحدى الجهات الحكومية إن الارتفاعات المتتالية في الأسعار غيرت أولويات الاستهلاك لدى كثير من الأسر المصرية، موضحة “في بعض الأحيان قد تلجأ الأسر لمنتجات اللحوم المجمدة ذات الأسعار المقبولة مقارنة بنظيراتها من دون التدقيق في مصدر الإنتاج أو صلاحيته، وفي أحيان أخرى نسمع إشاعات بخصوص فساد مثل تلك المنتجات، وقد ألجأ أحياناً لإبلاغ الجهات الرقابية”.

إن تلقي الجهات الرقابية بلاغات في شأن فساد بعض المنتجات يقودها فوراً للتدخل، وفق تصريحات رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين المصرية عبدالمنعم خليل لنا، مؤكداً “نشن حملاتنا الرقابية بشكل متواصل بناءً على شكاوى مقدمة لنا، أو تحريات يقوم بها مفتشونا على الأطعمة الفاسدة ومن بينها اللحوم، وأخيراً الحملات المفاجئة لضبط المخالفات”.

يذكر خليل أنه “بخصوص اللحوم والدواجن والأسماك، يتم الرقابة عليها بالتنسيق مع الطب البيطري ومباحث التموين، ونتأكد من صلاحيتها للاستخدام الآدمي، إذ لا بد للحوم أن تكون مختومة بختم المجزر ومعروضة بطريقة سليمة، وكذلك اللحوم المجمدة التي لا بد لها أن تكون مطابقة للمواصفات المصرية، وأي أحد يذبح خارج السلخانة يتم التعامل معه ومصادرة المضبوطات”.

لا يوجد في قانون العقوبات المصري مادة صريحة تدين ذبح الحمير والأحصنة والكلاب، وعوضاً عن ذلك يتم الاعتماد على قانون الزراعة، والقرار الوزاري رقم 517 لسنة 1986 في شأن ذبح الحيوانات وتجارة اللحوم، والذي ينص على أنه “لا يجوز أن يذبح لغرض الاستهلاك الآدمي العام سوى الأبقار والجاموس والماعز والأغنام والجمال والخنازير والدواجن، ومن يخالف القرار بذبح الحمير أو الكلاب يقع تحت طائلة الحبس ستة أشهر على أقصى تقدير وغرامة تتراوح بين 200 (نحو 6.5 دولار أميركي) إلى 500 جنيه (نحو 16 دولاراً أميركياً).

كذلك قد تقع المخالفة تحت مسمى جريمة الغش التجاري والشروع في بيع سلع غير صالحة للاستهلاك الآدمي على المواطنين بقصد التربح السريع، وهي المخالفة التي تعد جنحة وفق أحكام القانون 48 لسنة 1941، وتصل عقوبتها، وفقاً لقانون العقوبات المصري، ما بين سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية قد تصل إلى 10 آلاف جنيه (نحو 325 دولاراً أميركياً)، وهي قوانين وتشريعات رأت شرين زكي أنها “مترهلة ولا تواكب حجم الضرر الذي يسببه لجوء البعض للحوم الحمير والأحصنة على الإنسان، كما أنها غير رادعة بما يكفي لإنهاء الأزمة وعدم تكرارها”.

من جانبها أكدت دار الإفتاء المصرية في أكثر من مناسبة أن ذبح الحمير وأكلها حرام شرعاً، مشيرة إلى أن الأصل في الحمر الأهلية أنه لا يجوز أكلها ولا ذبحها، وهو ما يؤيد قرار وزارة الصحة رقم 517 لسنة 1986 في شأن ذبح الحيوانات وتجارة اللحوم، في مادته الثالثة.

على رغم تلك الفتاوى والقوانين كان لافتاً خلال اليومين الأخيرين عودة الجدل في الشارع المصري حول أكل لحوم الحمير والأحصنة، بعد أن تساءل الإعلامي المصري تامر أمين عن سبب عدم أكل لحم الحمير والأحصنة على رغم أن دولاً عديدة متقدمة تتناول هذه النوعية من اللحوم؟ بل إن طبق لحم الخيل يعد وجبة فاخرة غالية السعر في مطاعم باريس، على حد قوله.

وأضاف الإعلامي أنه “سأل عن طبق لحم الخيل وقيل له إنه آمن وسليم، فضلاً عن أنه لا يوجد شبهة تحريم في أكل لحم الخيل أو الحمير”.

وما زاد من وتيرة الجدل إعلان مستشار التثقيف الغذائي بـ”المعهد القومي للتغذية” مجدي نزيه أنه “لا توجد (موانع علمية) في تناول لحوم الحمير والخيول”، مشيراً إلى أن “الأمر بحاجة إلى توافق مجتمعي قبل التشريعات القانونية، إذ إن الموضوع برمته يخضع لأذواق الشعوب”، ضارباً المثل بـ”مجتمعات تتقبل أكل الحشرات، وأخرى تستهجن الأمر بشدة”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى