الثوب الفلسطيني يروي تاريخ الأرض والإنسان

رام الله – غادة دحلان  ااا

لا يكاد يخلو أي بيت فلسطيني من على الأقل ثوب فلسطيني حصلت عليه ربة المنزل كهدية من أمها والتي بدورها احتفظت به في دولابها لتهدية الى ابنتها عندما تصبح صبية…وهكذا دواليك أثواب الجدات تلبسها الحفيدات في محاولة منهن لحفظ التراث من الضياع وتمجيد كل ما يمت لماضيهن العريق والأصيل. عبر الازمان تفاخرت النسوة بأثوابهن الذي يعبر كل ثوب فيهم عن لوحة فنية قائمة بذاتها. وقد كانت المناسبات الاجتماعية كالأعراس ودعوات الغذاء فرصة لتتباهى كل امراة بثوبها و جمال تطريزه وخيوطه.

الثوب الفلسطيني ارث الجدات

لكل ثوب فلسطني حكاية  تسطر الموروث الحضاري من  الاجداد الكنعانين  ويظهر ذلك   بالوحدات الزخرفية المنقوشة على الأثواب و تمثل كل وحدة زخرفية دلالة تاريخية لرمز كنعاني قديم سواء أكان من رموز الآلهة الكنعانية القديمة أو اللغة الكنعانية ، أو بعض المعتقدات والموروثات التي تورثها أهل فلسطين منذ أقدم العصور ، وتتنوع هذه الوحدات الزخرفية من أشكال هندسية مثل النجمة الثمانية  و المربع أو المعين المبكر أو رسومات من الطبيعه قد تكون لأشجاروازهار وطيور من وحي البيئة المحيطة وتسمى ( العروق ). هذا التنوع في الرموز والنقشات أعطى للثوب الفلسطيني جمالا وأتاقه ميزته عن  الأثواب الأخرى..

أثر التنوع الجغرافي على نقشات الاثواب

تأثرت رسومات ونقشات التطريز على الثوب الفلسطيني بالطبيعة الجغرافية للمكان واختلفت الرسومات والرموزبحسب طبيعة برسوماته الي تتنوع من الأشكال الهندسية الى الرسومات المستوحاة من الطبيعة ، في حين يخلو الثوب الجبلي من التطريزوالرسوم  بسبب عمل النسوة في الزراعة وعدم وجود الوقت لديهن للتطريز، بينما يمتاز ثوب منطقة بئر السبع ووسط   فلسطين بغزارة التطريز بسبب توفر الوقت . كما يمكن معرفة زي كل منطقة أيضا من خلال اللون الغالب عليه, فالأحمر النبيذي لأثواب مدينة  رام الله وجارتها مدينة البيرة , أما مدينة الخليل فتشتهر أثوابها  باللون الأحمر المائل الى البني  والتي   تظهر فيه رسومات عرق العنب الذي يعد من اهم مزروعات مدينة الخليل . اما ثوب مدينة يافا فتزينه رسوم السرو والبرتقال الذي تشتهر به مدينة يافا.  وتتميزأثواب منطقة  بئر السبع  بلونها البرتقالي وغزارة رسوماتها وتطريزها.

التطريز وانواع الغرز

يعد التطريزأهم  عنصر من عناصر الثوب  ويعتبر مؤشر واضح على مهارة المرأة وموهبتها وذوقها.  . وتعد نساء بيت لحم وبيت جالا من أكثر النساء حرفية في مجال التطريز .تتوحد الغرز في الثوب الفلسطيني في جميع المناطق الفلسطينية ويكمن اختلاف الاثواب في غزارة الاشكال والرسومات كل حسب منطقته. وهناك ثلاثة أشكال من القطب، أو الغرز، هي: قطبة الصليب، وقطبة اللف والتحريرة. وتشعر المرأة الفلسطينية بالزهو والفخر بإبراز تلك القطب في وحدات وأشكال رائعة. ومن القطب الشائعة نجمة بيت لحم، ومفتاح الخليل، وحوض القيتارة.

حدثتنا الحاجة ام احمد وهي سيدة في عقدها السابع عن ذكرياتها عن جلسات التطريز مع جاراتها بعد صلاة العصر.فتقول ان هذه الاوقات كانت من أحب الاوقات الى قلبها …اذ جرت العادة أن تلتقي الجارات في ساحة المنزل   بعد الانتهاء من واجباتهم  المنزلية …..وتضيف كانت كل جاره تحضر قماشها وخيوطها…فيختلط العمل  بالضحك والمزاح….تقول ام احمد هذه الجمعات كانت منفذا ومهربا لنا من ضغوط البيت وأعباءه. وتؤكد الحاجة انه في تلك الجلسات كانت الصبايا يتعلمن التطريز من أمهاتهم وجداتهم حتى يعلمنه لبناتهن وحفيداتهن بالمسقبل .  وتضيف ام أحمد أن كثيرا  من الأسماء التي أطلقت على القطب والغرز كانت من وحي تجمعات النسوة وروح الدعابة الي  تسود  جلسات التطريز فظهرت تسميات طريفة للغرز مثل: “أسننان الشايب” و”مخدة العزابي” و” شيخ مشقلب” و”ثلاث بيضات في مقلى” و”رجل الجاج”.بالأضافة الى تطريز رسومات لطيور ونباتات وحيوانات من البيئة الفلسطينية. الحاجه أم أحمد اختصرت اصرار  المرأة الفلسطينية على المحافظة على التراث الفلسطيني ونقله من جيل الى جيل.

 

الثوب الفلسطيني بين الأصالة  والحداثة

في وقتنا الحالي برغم التطور في جميع مجالات الحياة عامة ومجال الازياء والموضة خاصة. لا يزال الثوب الفلسطيني يتمتع بكونه الثوب الاكتر حضورا في المناسبات الفلسطينية والعالمية وتوصف السيدة التي ترتديه بانها من أكثر السيدات أناقة وليس بعيدا أن يكون ثوبها مدار الحديث لوقت طويل .ومن اللافت للانتباه ظهور مصممات  فلسطينيات شابات دفعهم شغفهم بهذا الارث الغني الى انتاج تصاميم تراثية بنكهة عصرية وشبابية. الأمر الذي شجع  الكتير من الشابات الفلسطينيات الى العودة الى  لبس الاثواب الفلسطينية  وادراجها في خزانة ملابسهن كطريقة منهن للمحافظة على تراثهم الفلسطيني.

المصممة نورا عابدين خليفة

كان للمصممة المقدسية نورا عابدين خليفة البصمة الأوضح في  بث الروح العصرية  في تصاميمها المستوحاة من التراث الفلسطيني الامر الذي أدى الى ولادة تصاميم تراثية تحاكي روح العصر والحداثة .تحدثنا  نورا عن تجربتها وبداياتها في مجال التصميم   فتقول ان الامر بالنسبه لها كان شغفا دفعها الى التخلي عن وظيفتها والعمل حتى تحقق حلمها في دمج  التراث الفلسطينيي بتصاميم عصرية تواكب التطور في دور الازياء العالمية. كانت البداية في تصميم الحلى و المجوهرات  المستوحاة من التر اث الفلسطيني مع اضافة لمسات عصرية اليها .  وأوضحت نورا بان لبس الثوب الفلسطيني في الوقت الحالي اقتصر على المناسبات وحفلات الزفاف…..ولكنها ارادت ان يكون الثوب الفلسطيني حاضرا ليواكب حياة المراة العصرية ويضيف الى أناقتها أصالة الثوب العريقة.  تختار نورا أقمشتها وخيوطها  مثل جداتها فتستخدم الاقمشه والخيوط التي كانت تستعملها المرأة الفلسطينية في السابق مثل خيوط القصب وخيوط  وأقمشمة الكتان والجوخ مع اضافة لمساتها العصرية ومحاكاة أجواء الموضة العالمية من حيث الالوان والتصاميم العالمية.

ثوب الملكة

ومن وجهة نظرها تعتبر نورا أن من أشهر الأثواب الفلسطينية ثوب مدينة بيت لحم فقد كان زيًا خاصًا بملكات الكنعانيين في فلسطين، مخطط بخطوط داكنة تميل في معظمها إلى اللون البني القريب من الأحمر؛ تتداخل في وسطه قطع الساتان بألوان بهيجة؛ أما الأحمر البرتقالي او الناري، وتضيف ان أكثر ما يميزه  استخدام قماش القطيفة في حياكة صدر الثوب  الذي ما يطرز عادة  بخيوط بارزة وبأشكال دائرية تستخدم فيها الألوان البراقة الذهبية أو الفضية. وقد كانت قديما تصنع من الذهب والفضة بما يليق بالملكات الكنعانيات وتميز بوجود في وسط كل شكل دائري قطعة من المجوهرات، تليق بأهمية الملكة صاحبة الثوب، كالزمرد أو الياقوت. أما باقي أجزاء الثوب فتمتازبغزارةالتطريز واستخدام أنواع متعددة من الرسومات، تدل على المناطق التي تخضع لحكم الملكة الكنعانية . وتضيف نورا أن هذا الثوب يحكي حكايا الملكات وأمجادهم وفي هذه الايام  تلبسه العروس الفلسطينيه  من مختلف المناطق الفلسطينية مما يججعلها تشعر أنها ملكة في يوم عرسها.

 

للاطفال حصة ايضا….

أرادت نورا تعريف الاطفال بموروثهم الحضاري وتراثهم الجميل عن طريق تصميم أزياء خاصة للاطفال تدمج فيها التطريز والنقوش الفلسطينيه بأزياء حديثة  وتدعو  الى ضرورة تعريف الجيل الناشئ بالتراث الفلسطيني الى  و تخصيص مواد دراسيه أشمل للتعريف بهذا التراث الغني بالفن والجمال  والحضارة العريقة.

وتضيف نورا انها تحرص كل الحرص على كتابة معلومات توضيحية عن أنواع الغرز وأصولها  على  التذكرة التعريقية بتصاميمها لضمان وسهولة  وصولها الى  كافة الأسواق العربية والعالمية وتعريفهم بالتراث الفلسطيني. وتطمح نورا الى التعاون مع دور الازياء العالمية وتعريف العالم أجمع بفن التراث الفلسطيني وحضارة الشعب الفلسطيني.

وتشعر بالفخر نورا وهي تحدثنا عن مشروعها والذي أطلقت عليه دار نورا للتراث فتقول انه لم يحقق طموحاتها  في التعمق أكثر بالتراث الفلسطيني واستخدامه كنواة لتصاميمها  العصرية ولكنه أيضا خلق فرص عمل لثمانون سيدة تعمل معها في حياكة وتطريزتصاميمها .الامر الذي بدوره انعكس على اوضاعهم الأقتصادية ومساهمتهن في المجتمع.

ميسون حلمي عابد مسؤلة قسم التطريز في جمعية انعاش الأسرة الفلسطينية أوضحت دور الجمعية في المحافظة على التراث الفلسطيني عن طريق اقامة معارض دورية للازياء الفلسطينية  في محاولة للمحافظة على التراث  والهوية الفلسطينية .  وتضيف ميسون بأن الجميعة أقامت مراكز لحياكة الاثواب الفلسطينية  وخلقت فرص عمل للسيدا ت حتى لا تزول هذه المهنة  مع تطور الحياة وتغيير أنماطها.وتوضح ان أكثر الطلب على الأثواب يكون في  شهر رمضان حيث تحرص السيدات على لبس الاثواب في حفلات السحور وولائم الافطار بالاضافة الى أشهر الصيف لكثرة الأعراس فيها .وتضيف ميسون ان لبس الثوب الفلسطيني ما زال حاضرا في القرى الفلسطينة اعزازا وتاكيدا للهوية الفلسطينية. وتؤكد ميسون أن هناك عودة  للبس الثوب الفلسطيني فأصبح شائعا جدا في المدن ان تلبس العروس في ليلة الحناء (ليلة ما قبل العرس) ثوبا فلسطينيا وغالبا ما يكون ثوب الملكة بالاضافة الى أن كثير من الشابات المقبلات على الزواج  يخترن أن يلبسن ثوبا فلسطينيا بدلا من فستان الزفاف بهدف التميز والانفراد.

مسؤلية المحافظة على هذا الأرث الفني الغني لا تقع على عاتق المؤسسات الوطنية والشعبية فحسب بل هي مسؤلية كل فرد فلسطيني في الوطن والشتات  لتعريف العالم بالهوية الفلسطينية وأصولها العريقة.  فالثوب الفلسطيني  يجب أن يكون حاضرا في كل زمان ومكان ليحكي قصة حياة وكفاح الجدات والشابات فلكل منهن قصة كفاح ونجاح خاصة بهن.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com