فكونا من الغشاشين
بقلم: أسرار جوهر حيات

النشرة الدولية –

مع فضيحة وجود 40 ألف غشاش في البلاد خلال آخر سنتين أو ثلاث سنوت في اختبارات الثانوية العامة، تذكرت اعتصام أولياء أمور الطلبة عام 2018، عند باب مكتب وزير التربية والتعليم العالي آنذاك، اعتراضاً على تطبيق لائحة الغش، وكأنهم يطالبون بصوت واحد «خلوا عيالنا يغشون»، بعد أن شددت وزارة التربية قبضتها على الغشاشين بقرارات صائبة.

كان منظر اعتصام الآباء صادماً واستثنائياً يعكس واقعاً مراً، وهو أن ولي الأمر تحوّل من مربٍّ لابنه، إلى مشجّع على الفساد والغش.. المحرّم شرعاً، وأخلاقاً.. وقانوناً!

وما أثار استغرابي هو أن فضيحة الأربعين ألف غشاش مرّت من دون حساب، وكأن وزارة التربية رضخت للأمر الواقع واستسلمت لفكرة تعزّزت لدى الطلبة، وهي أن الغش أصبح حقاً مكتسباً لدى الطلبة وبمباركة من أسرهم، بل وبدعم من الآباء الذين يسجلون أبناءهم في قروبات الغش، ويدفعون اشتراكات القروبات، بل وقد يكونون هم من يُنقّلون الإجابات لهم عبر سماعة الغش.

إنها فضيحة، في دول تعي بأن التعليم أساس بنائها، تطيح حكومات، لكن في مجتمعنا الذي جعل الشهادة سلعة تباع وتشترى لأجل وظيفة أو ترقية، مرّت بلا عقاب على الغشاشين، فقط لكونهم عجزوا عن تطبيق لائحة الغش عليهم.

وللأسف، فإن فضيحة الغشاشين لا تقف عند حد نجاحهم في الثانوية العامة، فهي تمتد وتؤثر في المجتمع بأكمله، فالغشاش الذي سعى إلى النجاح والتفوق الوهمي، سيسعى بعدها إلى الالتحاق بمقعد في مؤسسات التعليم العالي، وسيتخرج بالغش على أغلب الظن، أياً كان شكل هذا الغش، طبيباً، مهندساً، طياراً، محاسباً، محامياً، فكيف سنأتمن الغشاش على صحتنا وشوارعنا ومنازلنا وحقوقنا؟!

والأخطر من ذلك قد يتخرّج معلماً.. فهل سنرجوا من المعلم، الذي حصل على شهادة بالغش، أن يربّي لنا جيلاً جيداً؟!

إنها قضية فساد، فهؤلاء الشباب والناشئة، الذين هم عماد بناء الوطن وتطويره وقادة التنمية مستقبلاً، نحن نجرم بحقهم كأولياء أمور، وكوزارات معنية، وعلى رأسها التربية، وكمجتمع بالكامل، عندما نسهل لهم الغش، أو نجمّله بأعينهم، ليحصلوا فقط على شهادة هي بوابة عبور للدراسة الجامعية، فهي جريمة بحقهم هم أولاً، فقد أفقدناهم فرصة أن يتعلموا، وأن يثابروا، وأيضاً أجرمنا بحقهم كونهم سيتعثرون لاحقاً إما في التخصص الجامعي الذي بلا شك لن يكون مناسباً لقدراتهم، أو في العمل الذي لن يجيدوه كونهم تعلموا بالغش.

وهي جريمة فساد بحق الدولة والمجتمع، علينا جميعاً إيقافها، فعلى وزارة التربية أن تحاسب المتسببين أولاً، ثم الغشاشين، وعلى وزارة الإعلام بث برامج توعوية، وعلى هيئة مكافحة الفساد كذلك مسؤولية أن تقيم في المدارس ورش توعوية بمخاطر الغش والنجاح الوهمي كشكل من أشكال الفساد، وعلى الأُسر مسؤولية التربية السليمة، وعلى المجتمع أخيراً أن يطالب بتنفيذ هذه المسؤوليات، فإن استشرى الغش فسوف ينهار التعليم.. وإذا انهار التعليم فلا يمكن أن نأمل بتطوير البلاد واستمرار سير عجلة الإنجاز والتنمية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى