إنذارات بالتوقف عن دفع رواتب القطاع العام، وإعلان “لبنان دولة مفلسة”
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

اتّبعت الدولة اللبنانية منذ التسعينيات، مبدأ التوظيف السياسي في الإدارات العامة، حتى أتخمت القطاع العام بالموظفين، دون مراعاة لمبدأي الكفاءة و الحاجة، وأصبحت نسبة ٤٠٪؜ تقريباً من موازنة الدولة تُخصص لدفع رواتب القطاع العام (٨ مليار دولار من أصل ٢٢ عام ٢٠١٨)، واليوم مع تراجع الجباية أصبحت واردات الدولة لا تغطّي مصاريف القطاع العام، الذي يفوق عدد موظفيه ٢٧٠ الف موظف، إضافة إلى أكثر من مئة الف متقاعد.

إضافة إلى ذلك كانت أزمة الدين العام الذي بلغ ١١٠ مليار دولار عام ٢٠١٨.
لكن هذه الأزمة تم حل جزء كبير منها، على حساب؛ المواطنين، والمصرف المركزي، والمصارف، والمودعين.

فالدين بالدولار ارتفع من 6,5 مليار عام٢٠٠٠ إلى ٢١ مليار عام ٢٠٠٨ وإلى ٤١ مليار مطلع عام ٢٠٢٣.

أما الدين بالليرة والذي بلغ ٩٥،٦ الف مليار ليرة عام ٢٠٢٠ (ما يعادل ٦٣،٧مليار دولار وفق سعر صرف ١٥٠٠ ليرة) فإن هذا المبلغ بات يساوي ١،١ مليار دولار وفق سعر صيرفة الجديد (٨٠ الف ليرة للدولار)
في المحصّلة يُقدّر الدين العام اليوم بحوالي ٤٣ مليار دولار.

هكذا وجدت الدولة حلّاً لهاتين المعضلتين، بالسماح بخفض قيمة العملة الوطنية، فتمكّنت بهذه الطريقة من خفض القسم الأكبر من الدين العام الذي هو بالليرة، وخفض القيمة الشرائية لرواتب الموظفين، بأكثر من عشرين ضعفاً، ولكنها خلقت بذلك مشكلة إضافية بحيث بات راتب موظف فئة أولى أقل من راتب عاملة منزل.

عمد قسم كبير من موظفي الدولة إلى طُرق احتيالية لكسب المزيد من المال، فتفشّت الرشوة في الإدارات العامة، حتى بات لا يمكن إنجاز معاملة دون دفع رشوة لموظف.

أمّا القسم الآخر فلجأ إلى الإضراب، فالراتب لا يكفي لأبسط ضرورات العيش البسيط، خاصة أن الدولة ربطت بعض الفواتير، كالكهرباء والهاتف بالدولار، على سعر منصة صيرفة، التي كلما ارتفعت انخفضت معها قيمة الراتب، وزادت قيمة الفواتير.

عمدالتجار إلى دولرة أسعار السلع واحتكارها، وهم عادةً يسبقون ارتفاع دولار السوق السوداء، وتمكّنوا بذلك من تحقيق أرباح كبيرة، وقسم كبير منهم استفاد من الأزمة.

والمزارع أيضاً تمكّن من النجاة نسبياً، فحتى مادة بسيطة تُنتَج محلّياً كالبصل، بات سعرها مرتفعاً جداً، وتدرّ ارباحاً لا بأس بها على المزارعين.

الميكانيكي، والبقّال، والنجار، والكهربائي، والتاجر، والفرّان، والحلونجي، وحتى المطاعم، كلّهم يسعّرون وفق دولار السوق، وأي واحد منهم أصبح مدخوله الشهري يفوق مدخول استاذ جامعي أو مدير عام في الدولة، بأضعاف.

في مرحلة ما قبل الأزمة الحالية، عاش موظفو القطاع العام، في بحبوحة مصطنعة، مما ولّد حقداً عليهم من قبل باقي فئات المجتمع، خاصة جماعة الصناعيين والتجار وأصحاب المصارف، وأصبح الجميع يريد جعل رواتب القطاع العام شمّاعة انهيار الدولة، والتسبب بالأزمة الاقتصادية.

تناسى الجميع مسائل الهدر والفساد والمحاصصات والسمسرات والتلزيمات بعقود رضائية من قبل الطبقة السياسية الحاكمة، وأموال الهندسات المالية والفوائد المرتفعة التي قبضها أصحاب المصارف، والتهرّب الضريبي، والفوضى المالية، والمضاربات، والوكالات الحصرية، وتهريب الأموال إلى الخارج، وبات الجميع يريد إلصاق مسؤولية الإفلاس، برواتب القطاع العام.

صحيح أن القطاع العام مُتخم بالموظفين، لكن مجمل رواتبه اليوم لا توازي مليار ونصف دولار سنوياً، وهذا مبلغ كانت تجني الدولة أكثر منه من مرفأ بيروت فقط.

لا أحد يريد دفع ضريبة للدولة والكل يتهرب بطرق شتّى، خاصة التجار والصناعيين وأصحاب المهن الحرة، وحتى السياسيين وأصحاب المصالح الكبرى، لكنهم جميعاً يسعون للاستفادة من خزينة الدولة وتقديماتها.

لقد أصبحت رواتب القطاع العام شمّاعة إفلاس البلد، وتناسى الجميع كل الهدر والفساد والسرقات بمليارات الدولارات.
تهديدات متتالية بوقف دفع الرواتب، بحجة عدم وجود أموال كافية، وينبري خبراء الاقتصاد المشبوهين، للحديث عن غول الرواتب والقطاع العام، ولا ينطق أحداً منهم بكلمة عن ضرورة دفع الضرائب المستحقة، أو عن أملاك الدولة وقطاعاتها المنهوبة والمسروقة، فيصوّرون للناس، أن طامة لبنان الكبرى هو القطاع العام.

يريدون دولة تجار ووكالات حصرية في السياسة والسلع والكهرباء وكل شيء، ويريدون دولة الفوضى واستمرار التهريب والتهرّب من دفع الضرائب، فهكذا يجنون أرباحاً طائلة دون حسيب أو رقيب.

لا يريدون دولة أساتذة وقضاء و جيش وقوى أمن وتطبيق للقانون، فدولة كهذه تضرُّ بمصالحهم، فهم يريدون خصخصة كل شيء، من التربية إلى الكهرباء والطبابة والمطار والمرافئ والهاتف، وحتى الأملاك العامة يريدون بيعها.

مسار واحد متّبع في أكثر من مكان في العالم!!!!

تبدأ الخطة بافتعال الحروب- تدمير البنى التحتية- مؤتمرات- حكومات جديدة- إعادة إعمار- إغراءات بالإستدانة- انتعاش مؤقت- ثم تراكم الديون- عجز في الميزانية- تمنّع عن الدفع- انهيار سعر العملة الوطنية- رهن احتياطي الذهب، ثم لجوء إلى البنك الدولي وصندوق النقد، وأول شروطهما للمساعدة اعتماد الخصخصة وتخفيض القطاع العام تمهيداً لإلغائه، فيتحول الوطن دولةً للبيع.

هذه هي الخطّة المتّبعة من قبل حكومة العالم، في أكثر من دولة، ومَن يُنفّذها سيتم تصويره بطلاً وطنياً، وسيُكرّم في أهم المحافل الدولية.

سارقو الشعوب يتم تصويرهم أبطالاً، والشعوب غافلة عاجزة عن تغيير أي شيء!!! ويبدو أنه حان دور لبنان لإعلان أفلاسه وليصبح دولة للبيع

زر الذهاب إلى الأعلى