لماذا تعيد إسرائيل التحقيق في “انفجار صور” بعد 40 عاما؟
اعتبرت أن عملاً تخريبياً وراء الحادثة بتخطيط من "حزب الله" وقائده العسكري عماد مغنية
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان مشترك مع الشرطة وجهاز الأمن العام “شاباك” صدر في الـ 25 من يونيو (حزيران) الجاري فتح باب التحقيق مجدداً حول طبيعة تفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي بمدينة صور في الـ 11 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1982، أي بعد مرور نحو 40 عاماً.
وجاء في البيان أنه ستشكل لجنة رسمية حول “كارثة صور الأولى” في ضوء “وجود أدلة جديدة لم تكن أمام لجنة مئير زوريع والمدعي العام العسكري في ذلك الوقت، والتي تعزز احتمال أن يكون انهيار المبنى نتيجة “هجوم تخريبي”، بحسب تعبير صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
وأشارت الصحيفة إلى أن لجنة التحقيق التي شكلها رئيس الأركان هرتسي هليفي بمشاركة رئيس “شاباك” رونن بار وقائد عام الشرطة يعقوب شبتاي سيترأسها اللواء في الاحتياط أمير أبو العافيا، وستدرس نتائج طاقم الفحص والمواد الأخرى من أجل صياغة موقف نهائي حول الموضوع، كما كُلف فريق التفتيش بفحص ما إذا كان هناك أي سبب للتوصية بتشكيل لجنة تحقيق تكميلية في الجيش.
وقاد طاقم التحقيق رئيس شعبة في “شاباك” بمشاركة جهات مهنية في مجالات الاستخبارات والتكنولوجيا والمتفجرات والتراث والتاريخ والقانون وغيرها، كما ضم الطاقم جهات ذات صلة من الجيش الإسرائيلي و”شاباك” والشرطة، وعمل الطاقم نحو شهرين ليقدم النتائج وتوصياته بعد عمل شاق إلى رئيس الأركان.
وذكرت الصحيفة أنه قتل في ذلك التفجير 76 عنصراً من القوات الأمنية الإسرائيلية، من بينهم جنود للجيش الإسرائيلي وعناصر شرطة من حرس الحدود وعناصر من “شاباك”، وكذلك 15 لبنانياً كانوا معتقلين في المقر.
وكانت مؤسسة الأمن الإسرائيلية أعلنت العام الماضي أنها ستعيد فتح التحقيق في الحادثة “احتراماً للقتلى وسعياً وراء الحقيقة”.
لجنة زوريع
وكان رئيس الأركان حينها رفائيل إيتان عين لجنة اللواء مئير زوريع التي حددت أن الانفجار الضخم حدث بسبب عطل في أسطوانات الغاز بالمبنى، وقبلت اللجنة بهذه الاستنتاجات على رغم وجود وجهات نظر أخرى، إذ ادعى عدد من عائلات القتلى والجرحى لأعوام أن النتائج الأخرى جُهّلت وكان ينبغي أن تؤدي إلى استنتاجات أخرى، بما في ذلك الأدلة على أن السيارة المفخخة شوهدت تتسارع نحو المبنى المنهار ثم سمع دوي انفجار وانهار المبنى.
وعلى مدى أعوام اعترف “حزب الله” بأن الانتحاري أحمد جعفر قصير اقتحم مقر الحاكم العسكري بسيارته المفخخة، لكن إسرائيل كان تؤكد أن الحادثة عبارة عن انفجار عرضي وليس تفجيراً متعمداً.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020 دعا المسؤول السابق في “شاباك” تسفي بندوري السلطات الأمنية الإسرائيلية إلى الاعتراف بأن تفجير مقر قيادة الجيش الإسرائيلي في مدينة صور اللبنانية لم ينجم عن تسرب الغاز مثلما ادعى تحقيق أجري حينذاك، وإنما عن هجوم انتحاري بسيارة مفخخة.
مخطط العملية
ووفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت” فقد التقى رئيس “شاباك” عدداً من أبناء عائلات القتلى وكبار رجال الجهاز في تلك الفترة ممن لا يزالون على قيد الحياة، بمناسبة مرور 40 عاماً على الحادثة، وقرأ الوثائق التي استندت إليها التحقيقات والتي تشير إلى أن ما وقع كان “عملية إرهابية”، وأنه كان معروفاً في جهاز الأمن الإسرائيلي منذ زمن بعيد أن حادثة صور هي بالفعل عملية وليست حادثة عرضية، وأن الذي خطط لها ونفذها هو “حزب الله” ومن وقف خلفها هو القائد العسكري في الحزب عماد مغنية.
وتفجيرات القيادة العامة في صور التي تعرف في إسرائيل بـ “كارثة صور”، عبارة عن تفجيرين انتحاريين ضد مقر قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي في صور جنوب لبنان عامي 1982 و1983.
وأسفر الانفجاران عن مقتل 103 إسرائيليين وما بين 46 و59 لبنانياً وإصابة 95 شخصاً بجروح. وهما من أسوأ الخسائر التي لحقت بالجيش الإسرائيلي، وتعتقد تل أبيب أن مسؤولية الانفجارين يتحملهما “حزب الله”.
التفجير الأول
وبعد غزو لبنان في يونيو 1982 أنشأ الجيش الإسرائيلي مواقع قيادة لإدارة المدن التي احتلها، وفي الـ 11 من نوفمبر من العام ذاته استهدفت سيارة “بيجو” محملة بالمتفجرات المبنى المؤلف من سبعة طوابق، وكان يضم مكاتب تابعة مباشرة للاستخبارات الإسرائيلية، بينما خصص أحد الطوابق كمقر لوحدة المساعدة التابعة للقيادة الإسرائيلية في المنطقة، وطابق آخر لمقر يبيت فيه عدد من الضباط ممن يكلفون بمهمات محدودة.
وأدى الانفجار الذي سوى المبنى بالأرض إلى قتل 75 جندياً إسرائيلياً ورجل شرطة من الحدود ووكلاء من “شاباك”، إضافة إلى مقتل ما بين 14 و27 سجيناً لبنانياً وفلسطينياً كانت تحتجزهم إسرائيل.
وقالت الحكومة الإسرائيلية بعد الانفجار مباشرة إنه كان حادثة نجمت عن انفجار أسطوانات الغاز، وبقيت على إصرارها حتى تاريخ قرارها إعادة فتح التحقيق، وهذا ما تعارض مع الشهود الثلاثة الذين شاهدوا سرعة دخول سيارة “بيجو” إلى المبنى وتحديد أجزائها وسط الأنقاض ووجود تقرير لـ “شاباك” تحدث عن استعدادات “حزب الله” للتفجير.
التفجير الثاني
وبعد مرور عام تقريباً على ذلك الانفجار، استهدف تفجير مماثل قاعدة للجيش الإسرائيلي في صور في الرابع من نوفمبر عام 1983، مما أسفر عن مقتل 28 إسرائيلياً و32 أسيراً لبنانياً، وأكدت إسرائيل حينها أن الانفجار الثاني كان هجوماً انتحارياً شنه “حزب الله”.
وكان رونين بيرغمان، وهو مؤلف كتب عدة عن العمليات الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية ومنها “الحرب السرية مع إيران”، كشف في مقالة له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن ثلاثة شهود رأوا سيارة من طراز “بيجو” يقودها أحمد قصير بسرعة داخل مبنى الجيش الإسرائيلي قبل لحظات من الانفجار.
وجاء في الكتاب أيضاً عثور محققي الشرطة العسكرية الإسرائيلية على ساق لا تخص أياً من جثث الضحايا، وكذلك على محرك “بيجو” مدفون تحت حطام المبنى. وقد أثبتت التحقيقات أن المحرك يعود لسيارة مسجلة في لبنان ولم تستخدم من قبل الجيش الإسرائيلي.
وإضافة إلى ذلك قال بيرغمان إن إفادة خطية من أحد عناصر “شاباك” خدم في لبنان وقتذاك ذكرت أنه بعد انفجار صور عام 1982 تلقى تقريراً استخباراتياً مفصلاً يحوي وصفاً كاملاً لاستعدادات “حزب الله” للعملية الانتحارية، كما ورد في الشهادة الخطية أن الضباط الكبار في “شاباك” أمروا بإتلاف التقرير وعدم مناقشته مرة أخرى.
أحمد قصير
يذكر أن “حزب الله” يحتفل نهار الـ 11 من نوفمبر كل عام بـ “يوم شهيد حزب الله”، وكان أمينه العام حسن نصر الله قال في ذلك التاريخ عام 2019 “أنا من الأشخاص الذين لا يغيب عن ناظرهم وجه أرييل شارون البائس والمكتئب وهو يقف على حطام المقر العسكري الإسرائيلي في مدينة صور”.
ويقوم كل من “حزب الله” وحركة “أمل” بتبني منفذ العملية أحمد قصير كل عام، فكل طرف يدعي أنه كان منتسباً إليه وأن الفضل في تنفيذ العملية يعود للحزب أو الحركة، وهناك نصب تذكاري قرب بعلبك مكرّس لأحمد قصير (17 سنة)، وهو الانتحاري المسؤول عن الهجوم.