نتنياهو وعبقرية البقاء بالخداع والكذب!
بقلم: رجا طلب
النشرة الدولية –
في عالم السياسة تعد مسألة البقاء في الحكم أو في التاثير على مجريات الأمور وتطوراتها قضية أساسية ومفصلية والمقصود هنا بشكل خاص في عالم «الديمقراطيات» بتنوعها ولهذا فأن السياسي الحذق والمحنك أو «الداهية» هو الذي يبتدع الطرق والأساليب و”التكنيك» للبقاء في المشهد حاكما كان أو معارضا.
من أشهر أساليب البقاء في الحكم عبر التاريخ هو الحكم بالقسوة والأمثلة على ذلك كثيرة، ومن الأساليب الاخرى هو أسلوب الحكم العادل أو الرشيد وهو أسلوب للدول وليس للأشخاص وهو نموذج محدود جدا، أما الأسلوب الثالث فهو أسلوب المكر والخداع وقد تحدث عنه ميكافيلي في كتابه الشهير «الأمير».
واذا اردنا التحدث عن ثعلب في السياسة وعن مهارة الخداع والبقاء سنجد أن بنيامين نتنياهو يتصدر الحالة والمشهد ليس في «إسرائيل» فحسب بل على مستوى العالم، وإذا تساءل أي منكم لماذا نتنياهو بالذات سيكون جوابي لأنه بالبقاء رئيسا لوزراء إسرائيل لمدة 15سنة وعلى ثلاث فترات فهو يستحق هذا اللقب، فهى ميزة وقدرة لم تتوفر ولم ينتزعها أحد غيره وهي الفترة الزمنية الأطول في تاريخ دولة الاحتلال والتي عمرها 75 سنة.
نجح نتنياهو خلال الخمس عشرة سنة التي حكم فيها وما زال من إنجاز الجزء الأكبر من برنامجه اليميني المتطرف، أما الجزء الآخر فكان مرتبطا بمصالحه الشخصية والتي نجح وبعبقرية ملفتة في أن يغطيها بشعارات «وطنية» كاذبة ومخادعة أما أبرزها على الإطلاق فهي ما يلي:
أولا: نجح خلال فترة رئاسته الأولى بتوتير اجواء السلام التي انبثقت عن اتفاقيات وادي عربة وأوسلو، وتحديدا معنا في الأردن بعد محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل والتي رد عليها جلالة المغفور له الحسين بن طلال بحزم حول الأردن إلى عقدة بالنسبة لنتنياهو، ولكن بفضل شجاعة الحسين استمرت المسيرة وسقط نتنياهو عام 1999 ومن المفارقة أن غياب الحسين رحمه الله تبعه سقوط نتنياهو ونجاح أيهود بارك برئاسة الحكومة الإسرائيلية.
ثانيا: الفترة الثانية وهي الفترة الذهبية في عمر نتنياهو حيث نجح في تحقيق أمرين اثنين الأول تدمير اتفاق اوسلو وتحويله إلى اتفاق أمني بحت مع السلطة الفلسطينية، وثانيا تفجير موجة الاستيطان الكبرى في الضفة الغربية وتحديدا في المناطق المصنفة «جيم» أي التي تعد مناطق فلسطينية حسب اتفاق «اوسلو» ولكنها مغلقة لغايات واستخدامات عسكرية إسرائيلية وهي المناطق التي يعمل وزير المالية الحالي سموتيريش على بناء المستوطنات فيها.
ثالثا: الفترة الثالثة كانت هي الفترة الكبرى للتحديات التي واجهت نتنياهو حيث تكالبت عليه تهم الفساد والرشوة وأفقدته كل البريق الذي كان يتمتع به «كملك» لإسرائيل وخسر بسببها الانتخابات في يونيو عام 2020 لصالح تحالف نفتالي بينت ويائير لبيد، لكن «الثعلب» نجح في تكوين أقوى ائتلاف يستطيع من خلاله الاستمرار بالحكم وهو الائتلاف مع متطرفين ومنبوذين وهما «العظمة اليهودية» أي بالعبري (عوتسما يهوديت) بزعامة ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي، وسموتيرش وزير المالية زعيم حزب (الصهيونية الدينية) ومن خلال تحالفه مع التطرف في المجتمع الإسرائيلي استمد «الثعلب» القوة التي ربما لن تنتهى بسهولة، وها هو اليوم ينقل ليس فقط العالم العربي أو أوروبا بل أميركا إلى المربعات التي يريدها بمنتهى الخبث.
وفي الحديث عن هذه المرحلة من الضروري التحدث عن التالي:
أولا: نتنياهو لم يعلن الى اليوم بعد مرور سبعة شهور عن فشل أو نجاح ما أسماها المناورة العسكرية في غزة، رغم أن أبرز أهدافها عودة المخطفتين والقضاء على «حماس» وقدراتها العسكرية لم تتحقق.
ثانيا: وللهروب من ما سبق افتعل خصاما حميدا مع بايدن «عجوز البيت الأبيض» لأهداف داخلية ليظهر كبطل وذهب لمعركة مع إيران استدرج فيها واشنطن والعالم الغربي بلا أي مبرر وغطى بذلك المجازر البشعة التي مارسها ويمارسها في غزة، وحول العالم من منتقدا لإسرائيل إلى متعاطف معها كضحية رغم الرد الإيراني الباهت على قصف القنصلية في دمشق.