المثال الكلاسيكي في اختلاط المشاعر
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

سأل الطلاب مدرسهم عن معنى «اختلاط المشاعر»، Mixed Feelings فرد عليهم بالمثال التالي:

عاد رجل إلى بيته بسيارته الجديدة، فوجد «حماته»، التي لا يحبها، عند الباب، فرأت السيارة وطلبت تجربة قيادتها.

اتصلت الشرطة لتخبره بوقوع حادث سير لها، فغمرته «مشاعر مختلطة». فمن جهة تمنى «وفاة الحماة»، ومن جانب آخر تمنى ألا تكون سيارته الجديدة قد أصيبت بخدش!

***

يبدو أن جميع المهتمين بالموضوع الروسي – الأوكراني لديهم مشاعر مختلطة من نوع أو آخر، فهم يتعاطفون مع المطالب الروسية التي تتعلق بأمنها القومي، ويتعاطفون بالمقدار نفسه أو أكثر مع أوكرانيا، الدولة الأضعف، التي تتعرض للعدوان من جارتها القوية! هذا غير وقوف البعض مع روسيا «فقط» نكاية بأميركا، ووقوف الفريق الآخر مع أميركا «فقط» نكاية بروسيا!

***

يزداد التشرذم، واختلاط المشاعر مع الدول الصغيرة، خاصة التي سبق أن تعرضت لما تتعرض له أوكرانيا، فجزء من شعبها يؤيد الوقوف مع أوكرانيا مستذكراً وقوف العالم أجمع معه عندما تعرض وطنه للاحتلال! وجزء آخر يرى أن المقارنة غير واردة، وأن عليها الوقوف مع مصلحتها، وألا تتهور وتضع «كل بيضها» مع هذا الطرف أو الآخر!

وفي خضم كل ذلك يملأ الرعب قلوب الجميع من تبعات الحرب بسبب الغلاء الحاد في المواد الغذائية والوقود، وصعوبة التنقل، وازدياد أعداد المهاجرين، هذا بخلاف خطر مواجهة نووية بين العملاقين!

ويرى البعض أن هذه الحرب أدخلت روسيا في مستنقع أوكرانيا، ولن تخرج منه سالمة، حتى لو انتصرت عسكرياً. ويرى غيرهم أن العقوبات الغربية ستتعب الغرب وحلفاءهم بالمقدار نفسه، وستتراجع في نهاية الأمر عنها، متى ما هدأت الأمور، وأقر العالم بوضع أوكرانيا الجديد!

ويرى مراقبون أن مشكلات الشعوب، كما أثبت التاريخ، لا تحل غالباً، بالحروب، التي تنتهي عادة بفرض شروط مجحفة على الطرف المنهزم، ولكن الأخير سيقاومها، وينقلب عليها متى ما قويت شوكته، كما فعلت ألمانيا وغيرها بعد الحرب العالمية الأولى!

كما يميل فريق لإضفاء الجانب الأخلاقي على الصراع، فأوكرانيا ليست فقط أداة مرحلية في إستراتيجية روسيا لصد تقدم الغرب، وخلق قطبية ثنائية للعالم تالياً، بل ربما ستكون العذر مستقبلا للصين لاجتياح تايوان، واجتياح تركيا للموصل وقبرص، واجتياح أية دولة كبيرة لجارتها الأصغر لأن لها «مطالب تاريخية» فيها، وهذا سيدفع البعض للتساؤل عن جدوى وجود منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إن كنا سنتصرف كوحوش الغابة؟

***

كما يشعر البعض أن موقف الكويت يتسم بحساسية واضحة، فقد تعرضت قبل ثلاثين عاما للوضع نفسه الذي وجدت أوكرانيا نفسها فيه الآن، ومن المفترض أن تقف معها، بكل وضوح، فقد غزتها جارتها الأكبر والأقوى، وكانت تشعر بحيرة شديدة من مواقف الاشقاء، حتى من وقف على الحياد منهم، واليوم يأتي من يطلب من الكويت أن تقف على الحياد، بين العملاقين، لأن مصالحها، تتطلب ذلك! خاصة وأننا سنكون، كدولة غنية وصغيرة، معرضون دائما لخطر الغزو، وبحاجة لمن يضمن أمننا! ولكن هل بالإمكان الوقوف على الحياد وأن نحظى في الوقت نفسه برضا وقبول وتفهّم الطرفين المتصارعين، خاصة وأننا مرتبطون باتفاقيات أمنية معهما، وقد نحتاج لأحدهما أو كليهما مستقبلا؟!

نقطة أخيرة، الفرق بين الفريقين، أن معارضي بوتين الغربيين سيخرجون من الحكم، ديموقراطياً، عاجلا أم آجلا! أما الرئيس بوتين، فأمامه سنوات طوال في الحكم، فوق سنواته العشرين الحالية!

 

زر الذهاب إلى الأعلى