موازنة 2022 أبعد ما يكون عن الإصلاح المالي والضريبي
بقلم: باتريسيا جلاد

صندوق النقد وافق عليها مبدئياً وعلى مضض

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

 

بدأت لجنة المال والموازنة الأسبوع الماضي مناقشة موازنة 2022 التي أعدتها الحكومة ولم تصف الاصلاحات المناسبة لعلاجات الازمة.

 

رضي صندوق النقد مبدئياً وعلى مضض بمشروع الموازنة، باعتبار أن إقرارها يعتبر لزاماً لبدء المسار الإصلاحي من نقطة ما. ومع ذلك فالموازنة تدفع اللبنانيين والنواب على ابواب الإنتخابات النيابية الى طرح التساؤلات التالية: “من أين ستؤمن ايرادات بأكثر من 47 الف مليار ليرة ؟

 

لا يختلف اثنان على عدم قدرة شرائح واسعة من المواطنين على تحمل أعباء ضريبية كبيرة بما فيها زيادة ما يسمى الدولار الجمركي، في زمن الإنهيار والتضخّم الذي سجّل تراكما بأكثر من 700% منذ بداية الازمة، لكن الحكومة لم تجد سبيلاً الى زيادة الايرادات ومحاربة الفساد والهدر في ظل المحاصصة المستشرسة والتي تنتج عجزاً عن الاصلاح وتقويضا لمسار استعادة الأموال المنهوبة والأخرى المهربة الى الخارج، بل ابقت على سياسة إلقاء الأعباء على “العبد الفقير” الذي خسر أمواله في المصارف وفقدان راتبه بالليرة 90% من قدرته الشرائية ويئن من العوز وقلة الدواء والعتمة…، في اقتصاد شهد انكماشاً بنسبة 50% في سنوات قليلة.

 

ما هي التدابير الإصلاحية التي ترضي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتمهد لخريطة طريق مالية ليتجه اقتصاد لبنان نحو التعافي المالي والإقتصادي بعد اصلاح الإعوجاج وتنقية الإدارات من الفساد والتحايل على القوانين وترسيخ الثقة شيئاً فشيئاً؟

 

من المسلم به أنه في الدولة الحديثة لم تعد المالية العامة وسيلة لـتأمين تمويل وتسديد النفقات العامة فحسب، بل وسيلة للتدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتوجيهها، وتحقيق البرامج والوعود التي التزمتها السلطات السياسية أكانت تشريعية أو تنفيذية.

 

اين الموازنة من النمو والتنمية؟

 

حتى أن تحقيق ما ذكرناه يتطلب كما أوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحماية المكلفين المحامي كريم ضاهر لـ”نداء الوطن”، أولاً، “اعتماد موازنة عصرية وشفافة وفعّالة تؤمن التنمية والنمو المستدامين لإنعاش الإقتصاد وتأمين إستثمارات وفرص عمل ورفاهية، إذ أضحى من المجدي إن لم يكن من الضروري إعطاء بعد جديد وآلية جديدة للموازنة العامة بغية إعادتها إلى مسارها الصحيح”.

 

الشفافية والعدل أولاً

 

ويتم اعتماد الآلية الجديدة للموازنة بطريقة تلبي طموحات المجتمع الدولي وتحديداً صندوق النقد الدولي، كما رأى ضاهر “إستناداً الى معيارين هما بمثابة عنوانين، الشفافية المالية، من جهة أولى، التي تستتبع تسهيل قراءة وفهم ومناقشة الحسابات العامة، ومشروع الموازنة على حدٍ سواء بغية مناقشتها بفعالية وموضوعية ومن ثم مراقبة التنفيذ، لا سيما تنفيذ الأهداف والبرامج الملازمة.

 

من جهة ثانية، ينصب العمل بالموازاة على تحسين الإدارة المالية للمال العام من خلال معايير تقييم إداء ومحاسبة دورية للمسؤولين وأولياء الأمر. ومن هذا المنطلق، يقتضي إيجاد حلول عملية وعلمية وقانونية تحفظ مصداقية الموازنة وشفافيتها وتزيد من فعاليتها؛ ومن أهمها إعتماد تقسيم وظائفي جديد”.

 

القانون التنظيمي وتقسيم الوظائف

 

يشير ضاهر الى أنه “سيتم من خلال القانون التنظيمي (الموجود مشروعه في أدراج مجلس النواب منذ ما يقارب العقدين) الذي يعتمد تقسيماً وظائفياً حسب المهام التي تندرج ضمنها البرامج، للوصول إلى إحلال وتكريس مبدأ الصدقية وحسن الإداء على عمليتي إعداد وتنفيذ الموازنة فضلاً عن موجب النتيجة والمساءلة”.

 

وبذلك فإن القانون التنظيمي، من شأنه كما لفت ضاهر “أن يضفي على عملية التصويت الذي يجريها البرلمان على الموازنة معنى سياسياً حقيقياً. أي مراقبة فعلية لأعمال الحكومة والتي تفترض التثبت من تحقيق النتيجة بدلاً من التصويت على الوسيلة الممنوحة لها؛ مع ما يستتبع ذلك من نتائج لجهة المساءلة السياسية السنوية وطرح الثقة بالحكومة المتقاعسة عن تنفيذ برنامجها ووعودها أو الوزير المقصّر في إداء مهامه وموجباته”.

 

إستحداث موازنة مجمّعة موحّدة

 

الى ذلك رأى انه “قد يكون من المجدي أيضا، لتفعيل الرقابة والسماح للمشرع بالاطلاع على مجمل النفقات والإعتمادات ومبرراتها وصوابيتها وأصوليتها وأولويتها ضمن رؤية شاملة، إستحداث موازنة مجمّعة موحّدة (شبيهة بالميزانية العامة الموحّدة في المؤسسات الخاصة) كأداة تقييم وتحليل في سياق درس وإقرار الموازنة العامة. ما يساعد على إستخلاص جدول واحد شامل بواردات الدولة الحقيقية الإجمالية وجدول آخر بنفقاتها الحقيقية، ويسمح بمعرفة مدى تأثير كل إجراء أو اعتماد أو برنامج، كما والتمييز بين النفقات الضرورية وغير الضرورية”.

 

زيادة الواردات ليس من خلال الضرائب فقط

 

لكن كيف يمكن زيادة الواردات من دون أعباء ضرائبية مرهقة للمواطن؟

 

فهل زيادة الضرائب أمر جائز حالياً إجتماعياً بالصورة التي طرحت في الموازنة، لناحية زيادة الدولار الجمركي على سبيل المثال، من دون خطط إصلاحية مستدامة متزامنة تمنع التهريب وتحفّز الإنتاج المحلي وتزيد من القدرة الشرائية؟ بالنسبة الى ضاهر، الحلول البديلة أو الموازية التي يمكن اعتمادها في ظل وضعنا، تتجلى في:

 

“أولاً، في احترام مبادئ أساسية بالموازنة، وهي العدل في التوزيع بين المكلفين وسهولة الجباية ومردوديتها/إنتاجيتها (أقصى الاستفادة بأقل الأثمان أو الكلفة) وعدم تحميل المكلف أكثر من طاقته كي لا ينعكس ذلك سلباً على المواطنية الضريبية.

 

ثانياً، من الممكن تأمين موارد ضريبية في المرحلة التمهيدية من دون زيادة الضرائب عن طريق تفعيل الإلتزام الضريبي ومكافحة التهرب والتهريب بشتى الوسائل المتاحة، من خلال تدابير عملية ومتطورة لتفعيل الإلتزام وتحسين الجباية مثال تعميم الرقم الضريبي الموحد لجميع المواطنين والمقيمين الأجانب على الأرض اللبنانية، ووضع الخوارزميات (مجموعة من التعليمات البرمجية التي ينفّذها الحاسب الالي لتحقيق مهمة معينة)، وآليات الحوسبة عن بعد لمعالجة البيانات الحسابيّة للمكلّفين من خلال واجهات الكترونيّة تسمح بكشف الثغرات وملاحقة المتهرّبين، وإعتماد نظام وتكنولوجيا قواعد البيانات المتسلسلة (Blockchain) لخفض إمكانيات التستر والتهرب وتعزيز الشفافية؛ بحيث يتم ربط الحواسيب في ما بينها مع قاعدة إحصائية متلازمة”.

 

مبدأ الإقامة في التكليف وليس الإقليمية

 

يضيف ضاهر، ثالثاً، يقتضي الإنتقال في التكليف بالنسبة الى الأشخاص الطبيعيين من مبدأ الإقليمية إلى مبدأ الإقامة وإعتماد نظام الضريبة الموحدة على الدخل بشطورها التصاعدية على مجمل الإيرادات، مهما كان مصدرها في الداخل أو الخارج مع مراعاة المعاهدات الضريبية النافذة.

 

فاستحداث هذه الضريبة يعتبر الإصلاح الأساسي الذي يُعوّل عليه، لتحقيق عدالة ضريبية وإجتماعية طال إنتظارها بالدرجة الأولى؛ وثانياً، لتحسين الجباية وتأمين الإلتزام ومحاربة الغش والتهرب والإقتصاد الخفي الموازي.

 

سياسة ضريبية تحفّز الإنتاج

 

كما من المجدي ايضاً، استناداً الى ضاهر، “بل من الواجب إعتماد سياسة ضريبية تحفز الإنتاج وتزيد العبء الضريبي على النشاطات التي لا تساهم في تأمين قيمة مضافة للإقتصاد أو إنتاجية أو تلك القطاعات التي إستفادت، من دون غيرها، من ظروف إستثنائية على غرار إنتشار وباء كورونا ونتائجه والأزمة المالية وإنفجار مرفأ بيروت… ناهيك عن رفع ملازم لنسبة الضريبة المترتبة على النشاطات المضرّة للبيئة والصحة (كسارات، تبغ، مقالع، إشغال الواجهات البحرية…). على أن يخصص بالمقابل في الموازنة باب خاص للإنفاق الإجتماعي الملحّ (البطاقة الطبية، ضمان البطالة، شبكة الأمان الإجتماعية…) وتحفيز خلق فرص عمل”.

 

عقد إجتماعي جديد وضريبة على الثروة

 

ومن ضمن الحلول أيضاً، اعتبر ضاهر “أن مسعى زيادة الواردات وصياغة عقد إجتماعي جديد، يمكن ان يكون ضمن المسعى عينه لزيادة الواردات وصياغة عقد إجتماعي جديد مبني على فكرة التضامن. لا ضير في فرض ضريبة على الثروة (Wealth Tax) تُحتسب على أساس نسبة تصاعدية من مجمل أصول وممتلكات وأموال المكلفين المقيمين المنقولة وغير المنقولة المتواجدة في لبنان و/أو في الخارج.

 

غير انه من الممكن ايضاً وفي ظل الظروف الاستثنائية الراهنة فرض ضرائب إستثنائية في حالات الضرورة القصوى والحاجة الاستثنائية وبموافقة ممثلي الشعب على أن تزول مع زوال الظروف وهذا ما اعتمدته بعض الدول الصناعية المتقدمة”.

 

أدوات لرصد الإنفاق وضبطه

 

كل الحلول الخاصة بتفعيل زيادة الايرادات من الضروري ان تقابلها آلية إصلاحية تضع حداً للهدر الذي نخر الدولة والقطاعات العامة بأكملها على مدى سنين طويلة، في ظلّ عدم وجود آلية صارمة وجدية وحقيقية لترشيد الإنفاق، وفق الإحتياجات وبعيداً عن الفساد والمحسوبيات، من هنا يشدّد ضاهر على الإجراءات التالية:

 

– ضرورة أن يكون مجموع النشاط الاقتصادي والاجتماعي موجّهاً بصورة سليمة والإنفاق جارٍ بصورة شفافة وتحت رقابة فاعلة طبقاً للأنظمة المرعية.

 

– التصدي للفساد والزبائنية من خلال تأمين حق الوصول إلى المعلومات والإحصاءات والأرقام لمحاكاة اقتصادية (simulation)، كما اعتماد الحكومة الإلكترونية والربط الإلكتروني بين الإدارات كافةً في سياق حوكمة رشيدة فعّالة. هذا، ومن المجدي أيضا إنشاء، لدى وزارة المالية (أو وزارة الموازنة أو وزارة التخطيط في حال إستحداث أي منهما)، مرصد إقتصادي ووحدة درس وتحليل وقع الأثر الإقتصادي لكل قرار أو إجراء مقترح كما وحدة الأرقام والمؤشرات، ليصار إلى مدّ السلطتين التنفيذية والتشريعية بمعلومات وافية ودقيقة تساعدهم على إتخاذ القرارات وإعتماد الخيارات وتحمل المسؤوليات الناتجة تبعاً لما تقدم.

 

– تأمين وحدة إدارية تابعة للسلطة التشريعية أو متعاونة معها لتقييم الموازنة والتأكد من توافقها وإنسجامها مع الأحكام القانونية (قانون المحاسبة العامة وقوانين الضرائب وسواهما) والدستورية.

 

ادارة واقعية وفعّالة للسيولة

 

يؤكد كريم ضاهر «ضرورة إعتماد إدارة واقعية وفعالة للسيولة (من خلال وحدة إدارة السيولة لدى وزارة المال) كجزء أساسي من إدارة الإنفاق العام بهدف عدم تخطي ما هو معتمد في الموازنة من حيث السيولة، وتفادي الإقتراض غير المتوقع أو التدابير الضريبية المفاجئة خلال السنة المالية ما من شأنه تعطيل السياسات المالية. وأخيراً من المستحسن تفعيل دور الأجهزة الرقابية وتوسيع نطاق مهامها وتأمين إستقلاليتها».

زر الذهاب إلى الأعلى