‘ابنة سعادة السفير’ تروي حبا ينمو كزهرة وحيدة في الخراب

رواية العراقية نهاد عبدالقادر تحكي عن قصة حب عذبة نشأ طرفاها ما بين خراب وفوضى الحروب

النشرة الدولية –

ميدل آيست اون لاين – سماح عادل –

رواية “ابنة سعادة السفير” للكاتبة العراقية نهاد عبدالقادر تحكي عن قصة حب عذبة نشأ طرفاها ما بين خراب وفوضى الحروب.

الشخصيات

هناك شخصيتين رئيسيتين هما “رسالة ودانييل”، وهما بطلا قصة الحب، وهناك شخصيات أخرى ثانوية تتفاعل مع البطلين ويعيشوا معهما إحداثا كثيرة وحياة البطلين مزدحمة بالتفاصيل.

الراوي

الرواية تحكي بصوت “رسالة” من بدايتها ثم صوت “دانييل” كل منهما يتحدث بضمير المتكلم، كل شخصية تحكي عن حياتها منذ الطفولة وحتى وصولها إلى سن الشباب، تحكي عن مشاعرها وأفكارها وصراعاتها النفسية كما تحكي عن مسار الأحداث منذ الطفولة والشخصيات التي تتعامل معها. وتنتهي أيضا بصوت “رسالة”.

السرد

الرواية تقع في حوالي 200 صفحة من القطع المتوسط في حكي متوالي من بطلي الرواية، وتبدأ منذ 1979 في روسيا والعراق حيث هذا التاريخ له أهمية كبيرة بالنسبة ل”رسالة ودانييل”، وتستمر حتى غزو أمريكا للعراق. تنتهي نهاية سعيدة لكن مسار الشخصيتين الرئيسيتين مليء بالعثرات والعقبات.

ليلة السكاكين الطويلة

تحكي الرواية منذ بدايتها عن مقتل أحد الرجال الذي كان يشغل منصبا هاما في الدولة العراقية، تحت التعذيب في سجن أبي غريب، وتأثير ذلك على ابنته بطلة الرواية وابنه وزوجته وأخته، وكيف أنه ليس الوحيد الذي مات وإنما هو من أحد الذين قتلوا بعد أن صفاهم الحاكم في ذلك الوقت، لكي يضمن أن لا منافسين له على السلطة بعد أن تنازل له الرئيس السابق عن رئاسة الجمهورية.

تحكي “رسالة” عن تأثير قتل أبيها عليها وعلى أسرتها وعلى مسار حياتها فيما بعد، كما تذكرنا الكاتبة أن تلك التصفية التي قام بها الحاكم كانت أشبه بتصفية أخرى قام بها هتلر تجاه رفاقه ليصمن خلو البلاد من أي منافس له.

وترصد كيف عانت أسرة “رسالة” ليس فقط من موت مأساوي وإنما من مقاطعة، فقد قاطعهم الجميع خوفا من بطش السلطة وأصبحوا من المغضوب عليهم، فانفض من حولهم الجمع والذي كان مزدحما بسبب نفوذ الوالد ومناصبه الكبيرة. كما حرموا من حقوق كثيرة حتى أن “رسالة” رغم تفوقها الدراسي حرمت من إكمال دراستها ودراسة الماجستير، كما حرم أخيها من فرصة الزواج وهي أيضا، حتى اضطرت في النهاية إلى الاقتران برجل متزوج لكن الزواج لم ينجح.

وترصد الرواية من خلال “رسالة” وأسرتها كيف كانت السلطة باطشة وقوية وعنيفة حتى أنه حين كانت الأخبار تتطاير حول قرب وصول الغزو الأمريكي فرح البعض متخيلين أن هذا الغزو هو الخلاص لهم من سلطة غاشمة، لكن لم يكن الأمر كما توقعوا.

تحكي أيضا الرواية عن “العم يوسف” الذي قابلته “رسالة” في دمشق، وهو عراقي شيوعي اضطهد أيضا وسارت حياته من كارثة إلى أخرى بسبب قهر السلطة وبطشها، فقد السيدة التي أحبها بشغف وفقد طفله الصغير وفقد سنوات طوال يقضيها مع والديه، وعندما عاد كان قد تمكن المرض منهما، ورغم ذلك بعد الغزو وجدت له فرصة لأن يتولى منصبا هاما في بلده لكنه لم يعد يعبأ به وفضل الهجرة إلى إحدى الدول الأوربية.

وقد برعت الرواية في تصوير كيف كانت سلطة بدأت عهدها بالغدر والخيانة وقتل الزملاء والرفاق لمجرد أنهم يمثلون مصدر خطر على الحاكم ولكي يجلس على مقعد الحكم طويلا. ثم رصدت استفحال أفعال السلطة وممارستها ضد العراقيين على مدى سنوات طوال انتهت باستعمار عسكري من دولة أكثر وحشية.

الحرب لا ترحم أحدا

يحكي “دانييل” أيضا عن الوحشية والقسوة لكن هذه المرة من خلال الحرب، تلك الحرب التي سعت إليها روسيا عندما أرسلت قواتها إلى أفغانستان مدعية أنها تفعل ذلك لأجل مصلحة الأفغان، وقد مات والده الذي كان طبيبا في القوات المسلحة الروسية، وكيف كان تأثير موته ليس فقط عليه كابن وإنما على جدته وجده وأمه وباقي الأسرة، فالحرب تفرد أجنحة الخراب على الجميع. ثم كيف سارت حياته في ظل موت أبوه المبكر وأثر ذلك أيضا على مسار حياته ليتربي بين جدته وجده، ثم يعود لأمه لكنه يكون متخبطا وملولا ولا يعبأ بحسابات الحياة الواقعية.

وبعد إخفاقات على مستوى العمل وعلى مستوى علاقات الحب يقرر السفر إلى أميركا لينشيء لنفسه مستقبلا ناجحا، فيجد نفسه بين براثن الحرب مرة أخرى، حيث يقترح عليه أحد الأمريكيين أن يلتحق بالقوات المسلحة الأمريكية حتى يتمتع بامتيازات ويتخلص من عبء مصاريف الدراسة الباهظة والعمل المرهق، فيوافق رغم ما فعلته الحرب به وهو طفل صغير حينما حرمته من والده.

غزو العراق لم يكن خلاصا

وعندما يذهب “دانييل” إلى العراق يحكي من خلال عينيه ومشاهداته ما يحدث، لم تكن أمريكا خلاصا وإنما وحشية إضافية فقد كان الجنود الأمريكيين يقتلون المدنيين بوحشية دون محاسبة وهم من قسموا العراق على أساس طائفي، وأشعلت الاقتتال الطائفي كما خربت البلاد اقتصاديا وعلى كل المستويات، لكن رغم كل تلك الفوضى والخراب يبقى الحب كزهرة تنمو في أرض محروقة.

الحب وسط الخراب

رغم أن حياة “رسالة” كانت حافلة بالخيبات، من قتل والدها بوحشية تحت تعذيب الجلاد وتدهور وضعهم المالي والاضطهاد الذي عانته والتضييق وبعد الناس وخوفهم من الاقتراب حتى زواج فاشل لم يكتمل، إلا أنها عندما قابلت “دانييل” نما الحب في قلبها. من جانبه هو أيضا كانت حياته حافلة بالخيبات بين شعوره باليتم وعلاقته بمادلين التي لم تكن مشبعة أو مرضية، ثم انتقاله إلى أمريكا وبذله مجهودا كبيرا ليطور حياته، واقترابه من “جازمن” الأمريكية، إلاأنه عندما ذهب إلى العراق تفاجأ أنه أحب “رسالة” بطريقة مخالفة تماما لما كان يفعل في السابق.

لكن لأن هذا الحب صعب فقد واجهته عقبات كثيرة، ظن “دانييل” أن أصله العراقي قد يسمح له بالفوز بهذا الحب الفريد، لكن اكتشف أنه لم يكن من نسل جده العراقي، وأنه ابن لرجل آخر تخلى عنه، مما عقد الأمور وجعله يشعر باليأس. وحين رحل عن العراق لم يحاول أن يظل على تواصل مع “رسالة”. هي أيضا من جانبها استسلمت لخيبتها في حبها مع “دانييل” كما استسلامها لباقي الخيبات، لكن القدر يقرر أن يسعدهما بعد كل تلك الخيبات والمآسي التي عاشاها فيجمعهما مرة أخرى ويصرا على اكتمال هذا الحب.

برعت الكاتبة في رسم الشخصيات بعمق وتصوير ما يدور داخلها من صراعات نفسية ومن أفكار ومشاعر، كما اعتمدت عل تفاصيل ثرية وكثيرة سواء على مستوى حياة “دانييل” في روسيا ثم أمريكا فيما بعد، أو في رصد حياة “رسالة” وتطوراتها، وربطها بما يحدث في العراق، كما جاءت الشخصيات النسائية متنوعة وتناولتها الكاتبة في مواقفها الحميمية والإنسانية مما يعكس خبرة كبيرة في فهم النساء على اختلاف ظروفهن وحيواتهن.

الكاتبة

ونهاد عبدالقادر، كاتبة عراقية مغتربة، من مواليد محافظة (الأنبار)- قضاء حديثة، تخرجت من كلية القانون جامعة بغداد، عملت بالتعليم فترة من الزمن، غادرت العراق بعد الغزو الأميركي بفترة قصيرة، صدرت روايتها “بغداد نيويورك” عن دار سطور 2017. ورواية “رأس البصلة” ومؤخرا رواية “ابنة سعادة السفير”.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى