«فليساتنا» التي ضاعت على ترجمة الطب
أحمد الصراف

النشرة الدولية –

من الأمور المعروفة أن الطب متقدم في دول غير ناطقة بـ«الإنكليزية» كفرنسا وإيطاليا وأوكرانيا وروسيا وألمانيا واليابان وكوريا وتايلند وإسرائيل وأسبانيا، حيث يدرّس فيها بلغاتها، وأطباؤها يدركون جيداً أهمية إتقان «الإنكليزية»، كي يستمروا في الاطلاع على أحدث التطورات، التي يكون مصدرها غالبا الدول الناطقة بها مثل أميركا وكندا وبريطانيا وأستراليا. كما أن الدول المتقدمة طبياً، وغير الناطقة بـ«الإنكليزية»، تمتلك ثروة وخبرة طبية عميقة وقدرة على التواصل مع أحدث المستجدات في عالم الطب، بخلاف ما تتمتع به مستشفياتها ومختبراتها من عراقة معروفة، لا يحق لنا مطلقاً مقارنة أنفسنا بها والقول إنه طالما هي درست الطب بلغاتها ونجحت فإننا سننجح مثلها، فنحن أساساً نفتقد لكل مقومات تدريس الطب بلغتنا العربية. فلا يكفي أن تقوم دولة بترجمة الطب للغتها، لكي يكون لديها خلال سنوات كادر طبي مميز. فنحن من دول العالم الثالث، أو المتخلف، وتدريس الطب لطلبتنا بالعربية سيطيح كل ما تم تحقيقه حتى الآن من منجزات. وما تم من ترجمة للطب، استغرقت قرابة نصف القرن، لم يكن أكثر من مضيعة للوقت والمال والجهد، وغالباً لا علاقة له بالطب لعجز غالبية دارسي الطب بـ«العربية» فهم معانيها، الصعبة جداً حتى على مدرس لغة عربية، فكيف بخريج ثانوية حكومية؟ والدليل على أن التعريب كان مضيعة للوقت والمال أنه لا أحد تقريباً سمع بمعجمهم، الذي صدر عام 1973!

وبالتالي من الأفضل استمرار تدريس الطب باللغة العملية، وهي «الإنكليزية»، وعدم تركها لطريقة أكثر صعوبة بالفعل. فوق ما يعنيه ذلك من قطع صلة من تعلم الطب بـ«العربية» بكل التطورات الطبية، شبه اليومية، وقطع صلته بأي ندوات ودورات، داخلية وخارجية، ومحاضرات، تقام غالباً بـ«الإنكليزية»!

***

نتمنى أن يفيدنا من تولَّى أمر إدارة مركز تعريب الطب مؤخرا، وهم ممن نكن لهم كل احترام، عما أنجزه المركز على مدى أربعة أو خمسة عقود؟ وهل بالفعل تطلب الأمر كل هذا الوقت الطويل جداً لإنجاز معجمهم؟

وهل هم على ثقة بأن ما تم استخدامه من لغة عربية، وتعابير وتسميات، تبلغ مئات الآلاف، ستكون بالفعل معروفة ومفهومة تماماً لمن تخرج حديثاً في «الثانوية»؟

كما أتمنى قيامهم بإجراء استقصاء بين أطباء الكويت لمعرفة مدى «علمهم» بوجود هذا المركز أصلاً، بعد مرور كل هذه السنوات على تأسيسه، وصرف عشرات أو مئات ملايين الدولارات عليه، ومدى موافقتهم على مشروع الترجمة، أساساً؟

وكيف سيقوم المركز بترجمة التطورات المستحدثة في عالم الطب بصورة يومية، وإبلاغ طلبة الطب بها، أولاً بأول، وبعد تخرجهم؟

***

يقول د. خالد الصالح، في رده على مقالنا عن تعريب الطب، بأن تعلُّم الطب، أو العلوم عموماً، باللغة الأم يمكِّن الإنسان من فهم مادته بصورة أكثر إبداعاً. وهذا صحيح، ونحن من مؤيديه، لكن ليس في الطب حتماً، وليس في حالتنا حصراً. فالتعلُّم بلغة الدولة أمر فعَّال ولكن يتطلب – وفي الطب بالذات –ارتفاع مستوى التعليم في تلك الدولة، إضافة لتقدمها الحضاري والتقني. فتقدم الطب في فرنسا، مثلاً، لم يحدث في محيط منعزل عن بقية المجتمع بل هو جزء منه، وما على الدكتور الفاضل غير إعطائنا تقدم فرنسا وإيطاليا وألمانيا الطبي وليأخذ بعدها راحته في ترجمة ما يريد من مصطلحات للغة العربية، وإلى ذلك الحين يفضل بقاء الوضع على ما هو عليه، فهو أقل الأوضاع ضرراً، مقارنة بما يسعى لتطبيقه. ولا شك لدينا أن الدكتور العزيز لن ينصح أحداً بتلقي العلاج في دولة قامت، قبل غيرها بنصف قرن، بتعريب الطب، لعلمه بأن تعلمه بـ«اللغة الأم» لا تعني بالضرورة تمكُّن الإنسان من فهم مادته بصورة أكثر إبداعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى