إشعاعات “التفاؤل” المسرّبة من غضب الايرانيين: واقع أو…وهم!
فارس خشان

النشرة الدولية –

القتل تحت التعذيب ليس حدثًا استثنائيًّا في إيران، ولكنّ الغضب الشعبي على هذا “التقليد” هو كذلك!

ولطالما اشتهرت “الجمهوريّة الاسلاميّة في ايران”بتغييبها “الأبدي” للمعتقلين، وقد صدرت دراسات معمّقة وتقارير محققة وكتب مهمّة، توثيقًا لهذه الحقيقة المرّة التي تتقاسمها أنظمة “اوتوقراطيّة” عدّة مع ايران، وإن بنسب أخف.

إلّا أنّ الايرانيين اعتادوا على التعاطي مع هذه “الجرائم” بشيء “من الطاعة”، خصوصًا متى كانت الملفات لها أبعاد دينيّة، كما هي عليه حال “شهيدة الحجاب” مهسا أميني التي سبّب مقتلها، بعدما اعتقلتها “شرطة الإرشاد”، في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، بتهمة “عدم التقيّد بأصول ارتداء الحجاب”.

هذه المرّة، اختلف الوضع، بحيث تسبّب مقتل هذه الشابة الايرانية التي تبلغ من العمر ٢٢ عامًا، بثورة شبابية عمّت البلاد، من دون أن تنجح “اليد الحديدية”بعد ، في وقف المدّ الشعبي الغاضب، على الرغم من القتل والاعتقال والتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي، المصدر الوحيد لايصال ما يحدث في الشارع الى العالم.

وهناك اعتقاد واسع في ايران بأنّ مقتل أميني على مأساويته ليس “سوى الشعرة التي قصمت ظهر البعير”، اذ يعيش الشعب الايراني، أسوأ أيّامه على الاطلاق، بحيث اصبح ٨٢ بالمائة منه تحت خطّ الفقر، وتعاني الشريحة الشبابية من بطالة كبيرة جدًّا، وتهاجر “الادمغة” بكثافة استثنائيّة الى الخارج.

وعلى الرغم من أنّ الشارع الايراني، لم يسترح على مدى الأشهر الأخيرة  من التظاهرات المطلبية، إلّا أنّ التظاهرات التي تسبّب بها مقتل أميني أخذت أبعادًا خطرة على النظام، لأنّها تأتي في توقيت تكثر فيه “الشائعات” عن التدهور الجدّي في صحة “المرشد الأعلى للجمهورية” علي خامنئي ومحاولة المتشدّدين تمهيد “طريق الوراثة” أمام ابنه مجتبى، بعد اقصائهم في الانتخابات النيابية فالرئاسية لمصلحتهم، المعتدلين والاصلاحيين، ومحاولتهم إعادة المجتمع الايراني، على مستوى التقاليد والسلوك، أربعة عقود الى الوراء.

ومنذ مدّة لم تعد نظرة النظام الايراني والشعب الايراني الى الحجاب نظرة دينية بحتة، إذ أصبح “راية سياسية” يلتزم بها الطائعون ويتملّص منها “عملاء الشيطان الاكبر في الداخل”.

وهذا ما يفسّر الشعارات التي يحملها المتظاهرون منذ أيّام، بحيث باتت حريّة نزع الحجاب هي فعل معارضة كامل للسلطة القائمة.

ومرّة جديدة، من المرجّح أن يفشل الايرانيون في التخلّص من النظام الذي يخسر، بشكل مضطرد شعبيته، على اعتبار أنّ آلة القمع لا تزال أقوى من الزخم الشعبي الثائر، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ النظام الذي كان قد لجأ الى مزيد من التشدّد لحماية نفسه، لا يخشى من تهديدات داخلية جدّية.

وفي التجربة الايرانية، فإنّ نظام الشاه كان قد نجح مرّات كثيرة في الانتصار على الغضب الشعبي، لكنّه كان في كل مرة ينتصر فيها بالقمع على الشعب، يقترب خطوة نحو نهايته.

ولم يعد في النظام الايراني ما من شأنه أن يقنع شرائح واسعة في الداخل به، تمامًا كما هي عليه حاله في الخارج، اذ إنّه، كما يقف وراء اضطرابات في أكثر من دولة، يحدث اضطرابات مالية واقتصادية وحياتية واجتماعية في داخل ايران نفسها، تحت عناوين “مواجهة الاستكبار”.

التظاهرات التي تشهدها ايران، حاليًا بسبب مقتل الشابة أميني، قد تلاقي مصير التظاهرات التي سبقتها وقد تحدث مفاجأة مختلفة خصوصًا اذا انضمّ اليها الغاضبون من الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

إلّا أنّ غياب القدرة على استشراف ما يمكن أن يحدث، على هذا المستوى لا يلغي أنّ الكثيرين في العراق واليمن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول يعتقدون بأنّ خروجهم  من الكوارث التي يعانون منها تبقى صعبة للغاية، اذا لم يساهم الشعب الايراني، بصفته الضحيّة الاولى، إمّا في تغيير نظام الحكم وإمّا، وهذا أضعف الايمان، في تقليم أظافره.

ولكن ما تطمح إليه هذه الشعوب قد لا يتحقّق، أقلّه في المديين القريب والمتوسط، اذ إنّ النظام، وفي حال وجد نفسه أمام مأزق داخلي حقيقي، قد يلجأ الى الغرب، من بوابة “التراجع” عن “مطالبه المستحيلة” في ملف العودة الى الاتفاق النووي، وحينها سوف تنسى عواصم العالم المتعطّشة الى الغاز  واللاهثة وراء الصفقات التجارية، أنّ هناك شابة لم تقترف جرمًا قتلها النظام، وسوف يتغاضى الجميع عن رفع النظام وتيرة القمع ونوعيته.

زر الذهاب إلى الأعلى