الاستخبارات الأمريكية تحذر من انتشار حرب السودان إقليمياً وتأجيجها بواسطة جماعات إرهابية اسلاموية

النشرة الدولية – كتبت  سلافة أبو ضفيرة ـ الخرطوم –

حذر التقرير الاستخباري السنوي  الموحد الذي تصدره وكالات المخابرات الأمريكية من المخاطر المحتملة التي يمكن أن تحدث  في السودان في حال استمرار الحرب الجارية الان بين الجيش السوداني وحليفه السابق ، قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق محمد حمدان دلقو ” حميدتي ” النائب  السابق لقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان .

وأورد التقرير في افادة مكتوبة ، أن وجود السودان على مفترق طرق القرن الأفريقي ومنطقة الساحل وشمال أفريقيا  ترشحه لان يصبح بيئة مثالية لدخول الشبكات الإرهابية والإجرامية وبالتالي زعزعة الامن الاقليمي في هذه المنطقة ذات الاهمية  الجيوبوليتيكية الاستثنائية.

وذكر التقرير أن القوات المتحاربة في السودان ظلت  تتلقى طيلة فترة الحرب  التي اندلعت في 15 ابريل من العام الماضي ، إمدادات لوجستية مستمرة من أطراف أجنبية وللدرجة التي أعاقت عملياً إحراز  تقدم  في  محادثات السلام التي جرت ، او التي ستنطلق مستقبلا.  وحذرت الاستخبارات الأمريكية في رؤيتها المعنونة ” تقييم المخاطر ” من  أن أي مشاركة أو دخول مباشر  من جانب جهة خارجية  في الحرب ، سيكون من شأنه  دفع أطراف اخري للتورط وبذات السرعة في الصراع العسكري الدائر للمحافظة علي توازن  المصالح الاقليمية والدولية المتعارضة.

وفي تصريح خاص ،قال خبير مكافحة الإرهاب وضابط الاستخبارات السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مارك دانر Mark Danner، أنه إلى جانب الرعب الذي يواجهه المدنيون المحاصرون في السودان، فإن الفوضى التي تجتاح البلاد تثير  القلق من وجهة نظر أمنية عالمية وإقليمية.

وأضاف، لقد وجدت الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا والميليشيات المدججة بالسلاح من الدول المجاورة في  جمهورية أفريقيا الوسطى في قوات الدعم السريع (شريكاً ودوداً، والآن وبعد أن لم تعُد الحكومة السودانية تسيطر على حدودها مع جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا) كما قال نصاً  . وبالتالي أصبحت تلك الجماعات تتمتع بحرية العمل في المنطقة، مما يسهل انطلاق  الجماعات الإرهابية من هذه  القواعد  الجغرافية المنتشرة علي مساحات شاسعة وتصبح مركزاً  لعملياتها في السودان، مما  سيمكنهم من جمع الثروات وتدريب المقاتلين وتنفيذ العمليات  والانتشار  في منطقة الساحل الافريقي  الشمالي .

وتابع خبير مكافحة الإرهاب مارك دانر  مضيفاً، إنه من المؤسف أن نفوذ الولايات المتحدة في السودان يتضاءل باستمرار بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة، مشيراً الي  أن الدور الروسي في أفريقيا آخذ في النمو ولا يمكن تجاهله، وأثر ذلك علي مصالح العديد من بلدان الجوار ذات الصلة بالمحاور الدولية المتنافسة علي الامم الملاحي  والاستراتيجي في البحر الاحمر  مكتفياً بالاشارة لكل من المملكة العربية السعودية ، الإمارات العربية المتحدة ، أثيوبيا ، مصر ، ايران واسرائيل.

وختم خبير مكافحة الإرهاب السيد  دانر تصريحه  مركزا علي  الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة في الحد من انتشار الصراع خارج حدود السودان، قائلا بأن المساهمة الأكثر أهمية التي يمكن أن تقدمها أمريكا  للسودان تتلخص في  تقديم الدعم والمساندة  الدبلوماسية الفعالة ، ومعالجة الازمة الانسانية والمجاعة  المستفحلة  عبرالمساعدات  المالية فضلا عن تقديم الدعم لمبادرات المجتمع المدني السوداني السلمية لوقف الحرب وتمكينه وتقويته  ليعمل على حشد المؤيدين وتنظيم تحالفات جديدة ومبتكرة إستعداداً “لليوم التالي” حسب تعبيره، بعد أن تنتهي هذه الحرب، فلقد ولت أيام التدخل الأمريكي المباشر والدعم السري للأطراف المتحاربة.

وعلى محور ذي صلة  قالت الخبيرة في الشأن السوداني أسماء الحسيني في تصريح خاص إن السودان في ظل الحرب الشرسة التي أخذت أبعاداً قبلية وعرقية والتي كادت أن تتحول إلى حرب أهلية، يمثل بيئة خصبة للجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة  التي ستجد من هذا الوضع الأمني الهش وضع مثالي لها، حيث سيمكنها من الدخول إلى السودان. وأشارت ان غني  السودان بالثروات الطبيعية ، اضافة لموقعه الجغرافي المؤثر في القارة الأفريقية و الوطن العربي يؤهله ليكون مهبطا لهذه الاطماع الاقليمية والدولية.

وأبدت الخبيرة في الشأن السوداني الاستاذة  الحسيني مخاوفها من تفريخ جماعات إرهابية من داخل السودان مستقوية  بالانتشار  الكثيف لخطاب التطرف والتشدد الذي تتبناه الجماعات الإسلامية، وانتشار السلاح في يد المستنفرين والمجموعات القبلية والكتائب الإسلامية التي اصبحت ذات حضور ملحوظ في  العمليات العسكرية في السودان وتقاتل جنباً إلى جنب مع الجيش السوداني.

وأضافت الحسيني أن لدى السودان مكانة رمزية لدى جماعة تنظيم القاعدة الذي أقام قائده أسامة بن لادن فيه، مابين 1991-1996 إبان فترة حكم الإسلامويين،  الي ان تم طرده بعد 5 سنوات . وفي السنوات الأخيرة استطاع تنظيم داعش وتنظيم الدولة الإسلامية استقطاب عدد من الشباب السودانيين للانضمام إلي صفوفهم، فتمدد الصراع في السودان وإنتشر بكثافة علي مساحة البلاد البالغة 1.882.000 مليون كيلو متر مربع ( بعد انفصال دولة جنوب السودان في عام 2011). هذا الواقع من شأنه ان يفتح الباب واسعاً لتدفق الجماعات الإرهابية ويزيد من أزمة السودان وأزمة دول الجوار، خاصة الدول المطلة على البحر الأحمر. فدخول الجماعات الإرهابية إلى السودان يعني تأمين تواجدهم في العمق الأفريقي، وهذا الوضع الخطير يحتم على المجتمع الدولي والإقليمي الإسراع لعمل جهود حثيثة لإنهاء الحرب في السودان.

وضمن سياق هذه المرئيات المحترفة عن مالات الحرب السودانبة، أعرب الاستاذ طالب عبد الجليل سليمان  الباحث في شؤون القرن الأفريقي عن أمله بقيام المجتمع الدولي بممارسة المزيد من الضغط على أطراف الحرب في السودان حتى لا يتمدد الصراع خارج حدوده الحالية فيهدد الأمن الإقليمي والدولي ويزيد من معدلات النزوح بشكل غير مسبوق خاصة إلى دول الجوار والدول الأوروبية.

و وصف عبد الجليل سليمان ما يحدث في السودان الآن بأنه انهيار كامل للدولة في ظل انتشار المجموعات الخارجة عن القانون، الأمر الذي يجذب الجماعات الإرهابية العابرة للدول والقارات، وبحسب توقعاته فإن الخطر على السودان سيأتي من دول غرب أفريقيا خاصةً جمهورية مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ففي هذا المثلث تتواجد بقايا عناصر تنظيم الدولة الإسلامية داعش، و جماعة بوكو حرام، وجبهة نصرة الإسلام والمسلمين، وبعض الحركات الجهادية المتماهية مع الجماعات الإسلاموية في السودان.

وقال عبد الجليل سليمان إن للإخوان المسلمين في السودان بمختلف واجهاتهم علاقات واسعة مع الجماعات الجهادية منذ بداية حكم الإنقاذ، وختم قوله بأن ما نشاهده الآن في حرب السودان من قطع للرؤوس في الشوراع وقطع للأيدي من قبل عناصر تتبع للجيش السوداني، يُعد دليلاً دامغاً لبدء نشاط الجماعات الإرهابية في السودان.

إن الحرب التي انطلقت شرارتها في الخامس عشر من أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أصبحت مهدداً أمنياً على المستوى الدولي والإقليمي، فمع تطاول أمد الحرب وازدياد حالات النزوح واللجوء وسط المدنيين وانعدام الاستقرار الأمني بات السودان دولة مغرية لدخول الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، وقد ساهم انخراط كتائب الإخوان المسلمين في القتال مع الجيش السوداني من تعقيد المشهد وتطاول أمد الحرب، فمع تزايد طموحات الحركة الإسلامية في السودان وسيطرتها على الجيش والأجهزة النظامية الأخرى بات جلياً أن هذه الحرب هي آخر فرصة للإخوان المسلمين للعودة إلى السلطة والقضاء على ثورة ديسمبر، التي أنهت فترة حكمهم الذي امتد لأكثر من ثلاثين عاما.

زر الذهاب إلى الأعلى