التغذية الحدسية… دعوة إلى الثقة بالجسد

صيغت هذه المنهجية لأول مرة عام 1995 لتحثنا على تغيير لغتنا وتصويب سلوكياتنا مع الطعام

النشرة الدولية  –

اندبندت عربية – نيرمين علي  –

تلاحقنا إرشادات وحميات الطعام في كل مكان حولنا، ففي حين كانت سابقاً تخرج من عيادات المتخصصين في مجال التغذية، باتت تطالعنا اليوم من كل الجهات.

فصار تصميم الحميات جزءاً من عمل مدربي اللياقة وأرفقوها مع فقرات خاصة يخرجون بها عبر حساباتهم على السوشيال ميديا، إضافة إلى المشاهير الذين يعرضون باستمرار نمط حياتهم الصحي المتقيد بحمية صارمة بعيداً من ملذات وطيبات الطعام.

الأمر الذي قض مضجع أولئك الذين يأكلون بصورة طبيعية من دون حسابات، فقط اعتماداً على الإحساس، حتى ارتبط في السنوات الأخيرة فعل الأكل بمشاعر سلبية مقلقة على رأسها الشعور بالذنب واللوم، بخاصة بعد تكثيف مناهج وأنظمة التنحيف القائمة على تقليل السعرات الغذائية.

لكن وبعيداً من الحميات والنصائح، هل سألت نفسك يوماً إن كنت جائعاً فعلاً، أم حزيناً ومفتقداً لأحدهم؟ والأهم من ذلك، هل تساءلت يوماً عن شكل علاقتك مع الأكل؟

دعاة الأكل الحدسي ذهبوا بعيداً مع هذا السؤال وقدموا لنا نظريتهم التالية.

الأكل الحدسي

صيغت منهجية الأكل الحدسي لأول مرة عام 1995، لتحثنا على تغيير لغتنا وتصويب سلوكياتنا مع الطعام، فبالعمق لا يوجد جيد وسيئ وأبيض وأسود، وعلينا أن ندرك أن الأمر متعلق فقط بنا لاتخاذ قرارات واعية بخصوص تناول ما يجعلنا نشعر بالسعادة.

وتنطلق فكرته الرئيسة من التوقف عن اتباع نظام غذائي بغرض التنحيف، والتوجه بدلاً من ذلك نحو بناء علاقة صحية مع الجسد قائمة على الاستماع لرغباته وحاجاته، اعتماداً على أساس هرموني صحي، بحيث تأكل عندما تجوع فعلاً وتتوقف عن الأكل عندما تشبع فعلاً، وهي بالعمق طريقة استشفائية من إرهاق الحميات الغذائية وهوسها والمصطلحات المرتبطة بها من جهة، وتصويبية من جهة أخرى، إذ تعمل على تصويب مسار العقل عند التفكير في حالة الجوع والشبع.

فهنا لا يتعامل مع الجوع كحالة رهابية مقلقة تتطلب التعامل الدقيق معها من منطلق أن الجوع سيسبب السمنة، بل يمكننا ببساطة من خلال التعرف إلى حاجات الجسد وكشف الجوع العاطفي التعرف إلى وجود مشكلات أخرى تحتاج إلى حل، بدلاً من المحاولة غير المجدية لإسكات صوت المشكلات من طريق الأكل العاطفي.

إذاً هو دعوة إلى تتبع إشارات الجوع الحقيقية وتلبية حاجات الجسم تبعاً لها، أي باختصار هو منهج يقوي ويصحح هرمونات الجسد ثم يعطيه الثقة الكاملة ليقود نفسه من دون أفكار مسبقة وحدود مفروضة وموانع ومنهيات، انطلاقاً من فكرة أن حاجة الجسم إلى الطعام غير ثابتة، بل تختلف من وقت لآخر تبعاً للجهد البدني ونوع الطاقة المستهلكة إضافة إلى عوامل تتعلق بالجنسين.

الاحترام للجسد ومشاعره

ويوجد هنا، على عكس الدعوات التي ترفع أهمية الإرادة في مقاومة الأكل، حالة من الاحترام للجسد ومشاعره، والتعرف إليه وإلى الإشارات التي يقدمها، ويخلق حالة من السلام الكلي مع الأكل بعد عشرات من السنين التي كان عنوانها (الحب الممنوع) الذي خلق مع الوقت حالة من العدائية الخفية، فالأكل من الطبيعي أن يكون بوعي وعند الجوع فقط مع التنبه لبدايات الشعور بالامتلاء.

لا لإنقاص الوزن

يدعي نظام الأكل القائم على التغذية الحدسية أن باستطاعته أن يصف ويفسر كيفية تحقيق الوزن المطلوب والحفاظ عليه على المدى البعيد، من دون الهوس بهذه الفكرة، إذ يعد فقدان الوزن بمساعدة التغذية الحدسية نتيجة بسيطة وقابلة للتحقيق من دون جهد.

لذلك هو يتعارض مع كل الأنظمة الهادفة إلى خسارة الوزن، كما يقدم كيفية ناجعة للأكل بصورة صحيحة خلال الظروف المتغيرة للحياة الحديثة سريعة الإيقاع والمليئة بمغريات غير محدودة من الطعام الذي يملي عادات غذائية جديدة ومبادئ جديدة للسلوك الغذائي.

ويعتقد مناصرو هذه النظرية أن المعرفة المكتسبة عنها هي استثمار طويل الأمد في صحة الفرد وحالته على وجه العموم، وأنها مع الوقت ستصبح عادة صحية لا إرادية، تعلمك كيف تنظم شهيتك بكفاءة وكذلك كمية الطعام التي تأكلها ومن ثم وزنك، وتؤكد أنك ستكون مع مرور الوقت راضياً بكمية أقل بكثير من الطعام مع درجة سعادة أعلى.

الجوع العاطفي

أول خطوة في هذه الرحلة هي التمييز بين الجوع الطبيعي الحقيقي والجوع العاطفي الذي تقوده الدوافع النفسية والعاطفية والاجتماعية، ويحدد المتخصصون مؤشرات للجوع العاطفي تلخص بثلاث كلمات مفاجئ ومستعجل ومحدد، بينما يبدو الجوع الحقيقي تدرجياً وبطيئاً وعاماً ومنفصلاً عن المشاعر العاطفية، في حين يتبع الجوع العاطفي خفض طاقة الجسد ومشاعره، ويظهر بصورة مفاجئة بعد موقف ما أو تفكير مكثف بحدث ما.

وفي معظم الحالات يتبع الناس نمطاً واضحاً ومحدداً في استهلاك الطعام يراوح بين الشعور القوي بالجوع والشعور القوي بالشبع، وأثناء أوقات معينة (الإفطار والغداء والعشاء)، إذ يتملك الناس شعور قوي بالجوع يرافقه استهلاك كمية كبيرة من الطعام إرضاءً لهذا الشعور وتحقيقاً لحالة الإشباع.

نظام قياس عالمي

وهنا طور العلماء نظام قياس عالمياً سمي بنظام الحساب العالمي للوقاية من الإفراط في الأكل، بإمكانه توضيح السبب الرئيس للإفراط في الأكل.

إذ تظهر بعد الأكل حالة من الشبع تتكون من مرحلتين درجة الشبع الأولى التي تنتج من تحفيز في التجويف الفمي ومستقبلات المعدة ويتم تشغيل الكابحات في مركز الغذاء في المخ، ودرجة الشبع الحقيقي التي تنتج عندما تدخل المواد الغذائية من القناة الهضمية إلى مجرى الدم، وبينهما مستويات عدة تشكل معياراً لقياس حالة الشبع.

وينقسم الشعور بالشبع إلى سبعة مستويات، تبدأ بالحالة التعادلية ثم بداية الشعور بالشبع ثم الشبع الضئيل والمتوسط والقوي وصولاً حتى الامتلاء المفرط للمعدة وانتهاء بالمرحلة السابعة التي توصف بأنها حالة من الثقل في المعدة مع آلام محتملة.

وهنا تأتي التغذية الحدسية الوقائية ليبدأ الشخص من خلالها بتناول كمية من الطعام الغني بالألياف عند الظهور الأولي للجوع الفيزيولوجي، لتجنب حالات الجوع المتوسط أو القوي، بحيث تبدأ حالة الجوع بالنقصان حتى تمر بالحالة التعادلية وصولاً إلى بداية الشبع ثم إلى تحقيق حالة الشبع المتوسط.

وفي حين تلقى هذه النظرية اليوم رواجاً، يبقى من المهم دوماً البعد من مصطلحات عششت في عقولنا مثل النحف والسعرات والميزان والوزن المثالي وما يرافقها من قلق يصل حد الاضطرابات النفسية واللهاث وراء وهم المثالية، وتعزيز الاعتقاد أن الجسد المعافى ذكي بفطرته ويتبع حاجاته الأساسية بكفاءة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى